[٣٤] وفي الجنة :
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)
لأنّهم تركوا ما يشاءونه في الدنيا ، فأهواؤهم كانت تدعوهم للخضوع إلى الطاغوت ، والميل للمجتمع الفاسد ، والانسياق وراء شهوة البطن والفرج ... وهكذا أعطاهم الله ما يشاءون ، أو لأنهم أعطوا للمحتاج ما يشاء أعطاهم الله ما يشاءون.
وكلمة «ما» تعني الإطلاق ، فهم لا يتمنّون على الله شيئا إلّا أعطاهم.
وقيل : إنّ ما عند ربهم يشاءونه ، فقد أعدّ الله لهم نعيما في الجنة يشاءونه ، ولا تعارض في المعنيين.
(ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ)
بعد مرحلة التقوى يأتي الإحسان ، والإحسان هو العطاء ، ونتساءل : هل يمكن أن يعطي الإنسان التقوى شيئا دون أن يخرج من قوقعة ذاته؟
كلّا ... فالذي يعيش في حدود نفسه وشهواتها لا يستطيع أن يعطي ، وإنّما يعطي من يفكّر في حاجات الآخرين قبل حاجات نفسه ، فالإحسان إذن أرفع مراحل التكامل البشري ، فقد يكون الإنسان متقيا ولكن لا يعطي إلّا بحساب ، والمحسن موقن بالخلف فيستسهل البذل.
والظاهر أنّ الإيمان والتقوى يكتمل بالإحسان ، وهو أعلى المراحل في المسيرة الإيمانية.