هذا الاختلاف يدل على الدقة والحكمة ، فربّك الذي يخلق الحيوان بشكل مختلف جعل فيه أجهزة تتكيّف واختلافها ، فإنّك إذ ترى الهرّة ترى كلّ شيء ينسجم مع تركيبها ، فيخلق في عين الهرّة جهازا يكبر ويصغر حسب النور والظلام ، فترى بؤبؤة عينها تصبح مستديرة صباحا ، الى أن تتحول شيئا فشيئا الى شكل هلال الى شكل خيط يشع نورا في الظلام ، حتى أنّك تستطيع أن تعرف الوقت من عين الهرّة.
إنّ الذي خلق بؤبؤة الهرّة خلق جهازا في رأس النعامة لينظّم ضغط الدم فيه ، إذ أنّها لو عدمت هذا الجهاز لانفجر دماغها حالما تنكسه الى أسفل إذ يصل الضغط في دماغها آنئذ إلى ثلاثمائة درجة ، ولكن وجود هذا الجهاز يكيّف الضغط فيه ، فكلّما نكّست رأسها كلّما خفّ الضغط بسبب هذا الجهاز الدقيق حتى يبقى الضغط على دماغها بدرجة واحدة سواء كان رأسها أعلى عن الأرض بستة أمتار أو كان فوق التراب مباشرة.
وهكذا فإنّنا لو تعمّقنا في الخليقة لعرفنا وحدة التدبير في اختلاف الصنع ، ولكن من الذي يفهم هذه الحقيقة حتى يعرف ربه فيخشاه ، إنّهم العلماء.
(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)
والخشية هي ميراث العلم ، جاء في الحديث:
عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ :
إنّ من العبادة شدة الخوف من الله ـ عزّ وجل ـ يقول الله ـ عزّ وجل : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» (١).
__________________
(١) تفسير نور الثقلين / ج (٤) ص (٣٥٩).