ونستوحي من الآية إشارة إلى أنّ بعضا من الناس سوف يتعذّرون بهذا التبرير ، والله يبيّن لهم أنّه مرفوض عنده ، إذا كنت تريد الهداية فهذا هو الطريق ، أن تتغلّب على القنوط ، وتنيب وتسلم لله قبل العذاب أو الموت ، وأن تتبع طريق الحق وأحسن ما أنزل ، وإذا فعلت ذلك فسوف تكون مهتديا ، أمّا الطرق الأخرى كالانتظار الساذج أو اتباع المناهج المنحرفة في الحياة ، أو الانصياع لقيادة الطاغوت ، أو الإصرار على الذنب تحديا أو قنوطا فإنّها كلّها لا تنتهي إلّا إلى الضلال.
[٥٨] ولا بد أن يعرف الإنسان قضيّة هامة وحاسمة بالنسبة للحياة الدنيا ، وهي أنّها الفرصة الوحيدة له والتي يستطيع فيها تجربة نفسه وإرادته ، فإن فشل فيها فسوف يفشل في الآخرة ، وإن أفلح فسوف يفوز هناك بنسبة فشله وفلاحه هنا.
(أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ)
الذي لم تره ببصيرة الإيمان حيث كفرت بالحق.
(لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
وهكذا يكرّر القرآن تأكيده كثيرا على أهمية الإحسان لأنّه أرفع درجة يصل إليها البشر ، باعتباره يمثل خروج الإنسان عن ذاتيّاته وأهوائه إلى خدمة الآخرين ، (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (١)
[٥٩] ونعود للسياق القرآني في هذه السورة بعد هذا الاستطراد لنرى ردّ القرآن على تلك الأقوال التي تتكرّر على لسان أصحاب النار يوم القيامة ، يقول تعالى :
(بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي)
__________________
(١) التغابن / (١٦).