أم لأنّه أنبت حضارة ربانيّة في أرض الجاهلية العريقة؟
كل تلك الصفات شواهد صدق الرسالة إلّا أنّ الصفة الأسمى للقرآن حكمته. ما هي هذه الحكمة التي يحلف بها الربّ هنا ليستدل على أنّ محمدا (ص) من المرسلين؟
لا يزال «العلم» الشاهد العظيم عند كل الناس على صدق أو كذب أصحاب الدعوات الجديدة ، والقرآن فتح أمام البشرية ولا يزال آفاق المعرفة :
عرّفهم بربهم حتى وجده العارفون ، وجالسه الذاكرون ، واستأنس به المريدون.
عرّفهم بأنفسهم حتى بصروا عيوبها ، وميّزوا بين فجورها وتقواها ، واجتهدوا في تزكيتها وتنمية المواهب فيها.
عرّفهم بالسنن الإلهية في الأمم الغابرة حتى أخذوا بأسباب التقدم ، وتمسّكوا بأهداب التكامل والفلاح.
عرّفهم بمناهج المعرفة ، وسبل السلام ، ومفاتيح النجاح ، ووسائل القرب الى الله.
فأيّ شهادة أكبر على صدق الرسالة من ذات الرسالات ، وعلى صدق الرسول من أنّه يحملها ويطبقها؟
والقرآن ليس فقط كتاب علم بل هو أيضا كتاب حكمة ، والحكمة ـ كما يبدو لي ـ العلم النافع الذي بلغ في تكامله ونضجه مبلغا يجعله مؤثرا في سلوك البشر ، ومغيرا الحياة ، وصانعا للحضارة.