وقد فسّر أغلب المفسرين هذه الآية بأنّ أولئك القوم لم ينذر آباؤهم من قبل ، مما يخالف قوله سبحانه : «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» (٣) وهناك تفسير آخر يجعل حرف (ما) موصولة فيكون معناه تقريبا : «لتنذر قوما بما أنذر آباؤهم من العذاب».
وسواء أخذنا بهذا التفسير أو ذاك فانّ من المعلوم أنّ قوم الرسول لم ينذروا منذ فترة طويلة ، فهم لم ينذروا من قبله ، ونجد هذا المعنى في آية أخرى : «وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ» (٤) ولكن هل يعني ذلك أنّهم لم ينذروا أبدا؟ كلّا ...
[٧] ويذكر السياق بالتحديات التي يواجهها النبي ـ كسائر الرسل ـ في طريق الدعوة ، فسوف لا يؤمن هؤلاء الناس ، وسوف يقوم صراع مرير بينه وبينهم ، ويستمر الصراع حتى يبتلى المؤمنون وحتى يأذن الله بالنصر المبين!
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
وهكذا لا ينبغي الخضوع للتيار الاجتماعي إذ عدم إيمان الأكثرية ليس دليلا على نقص في حجج الرسالة بل في وعيهم.
وتعطينا الآية دفعة معنوية لنمضي قدما في حمل الدعوة دون أن نهن أمام رفض الأكثرية أو كفرهم بها.
[٨] ولكن لماذا لا يؤمن بها أكثرهم؟
لأنّ تراكم المعاصي على قلوبهم ، وعلاقاتهم الاجتماعية القائمة على الظلم والاستبعاد ، وتخلّفهم وانشدادهم الى عادات مجتمعهم وتقاليد آبائهم الضالين ، كلّ
__________________
(٣) فاطر / (٢٤).
(٤) سبأ / (٤٤).