فقال الصاحب : إن الغرائب التي جئت بها في وصف الناقة ، لو جسّمت ألفاظها أثقالا وأحمالا ، لم يكن للناقة طاقة بحملها ، ثم كتب الصاحب رسالة توصية إلى العميد أبي منصور كثير بن أحمد بن كثير (١) ، فحصل له القبول عنده ، فقال قصيدة أخرى في مدحه مطلعها :
خيال سرى من أم عمران طارق |
|
إلى هاجع بالقفر والليل غاسق |
ولما فرغ من إنشادها مدّت المائدة ، وقد زيّنت بأصناف الطعام والبوارد ، فامتدت إليها الأيدي ، فلما جيء بالحلوى ، أمر الصاحب أن لا تمتد إليها يد ، قبل أن يقول فيها كل واحد من أهل الفضل الحاضرين قطعة من الشعر ، فأنشد كل واحد منهم قطعة على البديهة ، بينما كان الأعسريّ صامتا منشغلا بتحريك أصابعه يعدّ فيها ، فلما وصلت إليه النوبة سأله الصاحب : أي شيء كنت تعدّ بأصابعك؟ فقال : كنت أعدّ أخطاء شعراء هذا المجلس ، فعجب الصاحب من كلامه ، ثم إن الأعسريّ أعطى خطأ كل واحد منهم مدعما بالحجة الدامغة ، وأنشأ قائلا هذه القطعة في وصف الحلوى :
وجامة فالوذ غذانا بها امرؤ |
|
كريم المحيّا ماجد غير صاغر |
تمرمر حتى قلت صهباء بابل |
|
وتهدأ حتى قلت ياقوت تاجر |
كأن نصاف اللّوز في جنباتها |
|
قطاع من الكافور في نار سامر |
[١٦٢] فزاد الصاحب من رتبته ، ووجد حظا وافرا من عنايته ، وورد إلى خراسان نجيح السعي ، رحمة الله عليه.
__________________
(١) ذكره ابن الفوطي (٢ / ٢٣٩) فقال : العميد أبو منصور كثير بن أحمد القهستانيّ القائني الوزير ، ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور وقال ... تصرف في أعمال نيسابور عن السلطان نيفا وثلاثين سنة فما سخط عليه سلطانه ولا رعاياه ... توفي سنة ٣٨١ ه.