كان غض الشباب عند ما دهمه الأجل المسمى. وكان قاضي القضاة أبو الحسن إسماعيل بن صاعد وأخوه قاضي القضاة أبو سعيد محمد بن صاعد قد ذهبا لعيادته ، فرأوا على وجهه قطرات الحسرات ، فقالا بتململ وتذلل وتوجع وتفجع : «الموت باب وكلّ الناس وارده» ، فأجابهم الشيخ المعلى : نعم ، الموت منهل الكلّ وارده ، وبقاؤهم مرهون بأنفاسهم المعدودة ، إلا أن بالي منشغل ببناتي اللواتي أخشى أن يضعن بعدي (١) :
لو لا بناتي وسيّئاتي |
|
لطرت شوقا إلى الممات |
ثم أنشد هذه الأبيات (٢) :
لو لا أميمة لم أجزع من العدم |
|
ولم أقاس الدجى في حندس الظّلم |
وزادني رغبة في العيش معرفتي |
|
ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرحم |
كان للقاضي أبي الحسن ابنان : القاضي منصور والقاضي أبو علي ، وأما القاضي أبو سعيد فكان له ابن واحد ، وهو رئيس الرؤساء أبو نصر أحمد.
فقال القاضيان : اعطنا وكالة بعقد نكاح هؤلاء المخدّرات الثلاث على أبنائنا الثلاثة ، فأوكل إليهم ذلك ، وعينوا مهورهن ، وأحضروا أبناءهم الثلاثة ، وجعلوا من مجلس العيادة ذاك مجلس عرس ـ وكانت إحدى بناته قد زوجت قبل ذلك للشيخ أبي الفتح المظفر بن أبي الحسن البازرقان ـ فقامت القرابة بينهم ، وهان على قلب هذا
__________________
(١) نسب إلى منصور بن إسماعيل الفقيه التّميميّ المتوفى سنة ٣٠٦ ه كما في التدوين (١ / ٢٨٧) وفيه : لذبت شوقا. وبعده :
لأنني في جوار قوم |
|
يبغضني قومهم حياتي |
وصوابه ما ورد في نفح الطيب (٢ / ٨٤٤) : بغّضني قربهم حياتي. وقد نسبه المقري إلى محمد بن علي بن يوسف الشاطبي (٦٠١ ـ ٦٨٤ ه) وهو وهم.
(٢) الشعر لإسحاق بن خلف كما في شرح حماسة أبي تمام (٢ / ٦٩٢).