ثم نظر عمر في وجوه الحرس فدعا عمرو (١) بن مهاجر الأنصاري ، فقال : والله إنك لتعلم يا عمرو أنه ما بيني وبينك قرابة إلّا قرابة الإسلام ، ولكني قد سمعتك تكثر تلاوة القرآن ، رأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة ، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي (٢).
قال (٣) : وحدّثني حرملة ، أنا ابن وهب ، حدّثني الليث : أن خالد بن الرّيّان حين استخلف عمر بن عبد العزيز عزله عن موضعه الذي كان عليه ، وكان سيافا بقوم على رءوس الخلفاء ، وقال عمر : إني أذكر بأوه (٤) وهيبته ، اللهم إني أضعه لك فلا ترفعه أبدا.
قال : فحدّثني نوفل بن الفرات ، قال : ما رأيت شريفا خمد ذكره حتى لا يذكر مثله ، إن كان الناس ليقولون : ما فعل خالد أحي أوقد مات؟
أخبرنا أبو الفتح ناصر بن عبد الرّحمن القرشي ، نا نصر بن إبراهيم ، أنا أبو محمّد عبد الله بن الوليد ، أنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد فيما كتب إليّ :
أخبرني جدي عبد الله بن محمّد بن علي اللّخمي ، أنا أبو محمّد عبد الله بن يونس ، أنا بقيّ بن مخلد ، أنا أحمد بن إبراهيم الدّورقي ، نا منصور بن بشير ، نا شعيب ـ يعني ابن صفوان ـ ، قال : ذكر الفرات ـ يعني ابن السائب ـ أن خالد بن الرّيّان صاحب حرس عبد الملك والوليد وسليمان قدم على عمر بن عبد العزيز حين استخلف فلما رآه من بعيد قال لمن عنده : أترون هذا المقبل؟ والله إن كنت لأسير في مركب الوليد وسليمان ولي من قرابته ما لي فيلقي دابتي في الوحل ويركب الجدد (٥) فعرفت النفس أنه لغيري أشد احتقارا ، اللهم إني أريد أن أضعه لك اليوم فلا ترفعه.
فلما دنا فسلّم قال : إنك قد قضيت من هذا السيف وطرا ، فتفرغ لنفسك ، وانصرف إلى أهلك ، وخذ يا غلام سيفه.
__________________
(١) عن م والمعرفة والتاريخ ، وبالأصل «عمر».
(٢) انظر الخبر أيضا نقله ابن الجوزي في سيرة عمر بن عبد العزيز ص ٣٩ ـ ٤٠.
(٣) القائل يعقوب بن سفيان ، المصدر نفسه ١ / ٦٠٤.
(٤) البأو : الفخر.
(٥) الجدد محركة ما استرق من الرمل ، والأرض الغليظة المستوية (قاموس).