للمجلس ، فقال : ما أحسبنا إلّا قد احتجنا إلى أن نجدد لأبي سماعة منزلا وآلة وخرثيا (١) ومتاعا ، يا غلام ادفع إليه عشرة آلاف درهم وتختا (٢) فيه عشرة أثواب ، فدفع إليه ، فلما خرج تلقاه أصحابه يهنئونه ويسألونه عن أمره فقال : ما عسيت أن أقول إلّا أنه ابن الزانية أبى إلّا كرما فبلغت يحيى كلمته من ساعته : فأمر برده فحضر فقال له : يا أبا سماعة لم تعرف من هجانا ، لم تعرف من شتمنا؟ قال له أبو سماعة : ما عرفته فعلته أيّها الوزير ، حسدت وكذّب عليّ فنظر إليه يحيى مليا ثم أنشأ يقول :
إذا ما المرء لم يخدش بظفر |
|
ولم يوجد له أن عض ناب |
رحاء فيه الغميزة من بغاها |
|
وذلك من مراتبه الصّعاب |
قال أبو سماعة : كلا أيها الوزير ، ولكنه كما قال :
لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا |
|
حتى يذلوا وإن عزّوا لأقوام |
ويشتموا فترى الألوان مسفرة |
|
لأصفح ذلّ ولكن صفح أقوام |
فتبسم يحيى وقال : إنّا قد عذرناك وعلمنا أنك لن تدع مساوئ شيمك ولؤم طبعك ، فلا أعدمك الله ما جبلك عليه من مذموم أخلاقك ، ثم تمثل :
متى لم تتسع أخلاق قوم |
|
يضيق بهم الفسيح من البلاد |
إذا ما المرء لم يوجد لبيبا |
|
فليس اللبّ عن قدم الولاد |
ثم قال : هو والله كما قال عمر بن الخطاب : المؤمن لا يشفى غيظه ، ثم إن أبا سماعة هجا بعد ذلك سليمان بن أبي جعفر ، وكان إليه محسنا ، فأمر به الرشيد فحلق رأسه ولحيته.
وبلغني أن خالد بن برمك مات في جمادى الأولى سنة خمس وستين ومائة وهو ابن خمس وسبعين سنة ، ومولده سنة تسعين.
١٨٦٠ ـ خالد بن تبوك
حكى عن شيخ من أهل العلم.
__________________
(١) الخرثي بضم الخاء : أثاث البيت أو أردأ المتاع ، وبفتح الخاء : المرأة الضخمة الخاصرتين المسترخية اللحم (قاموس).
(٢) التخت : وعاء يصان فيه الثياب (قاموس).