ولما كان قد أخذ على نفسه تخليص البلاد الإسلامية من الأسر والاستعباد ، والنهوض بالعالم الإسلامي إلى العز والافتخار ، فقد تقلد ـ أعانه الله ـ بنفسه قيادة الجيش الرابع ، وآلى على نفسه أن يخلص مصر وإفريقية من مخالب الفسق والفجور ، ويجعل تلك الأراضي المقدسة ، الآهلة بالمسلمين ترفل بحلل السعادة والهناء ، فأمده الله بقوة عظيمة من المعونة الإلهية ، وشرف قدومه السعيد إلى هذه الربوع التي أحياها بعد مماتها.
سورية ، لم تكد تطأ أقدامه هذه البلاد حتى انقلبت فجأة من حال إلى حال ، ولا غرو ، فذلك سر من أسرار الله يهبه لمن يشاء من عباده المخلصين.
أوجد في سورية جيشا عرمرما ، وحياة له طيبة ، طهرها من الفساد ، وزرع فيها حب الإسلام ، وعلم أبنائها كيف يجب أن يعيشوا لإحياء دينهم ، مثل في أعماله الرجال الأولين ، وفاق عنهم بمراحل بما أتاه من المعجزات ، كان يواصل الليل بالنهار يشتغل في إدارة شئون هذه المناطق حتى عمّ ذكره الخافقين ، والتحقت به أبناء هاشم وعدنان.
كان يجد وراء إعمار هذه البلاد ، وبالوقت نفسه كان يسير الأسطول العثماني كيفما يشاء ، ويلهمه الله لكل أمر فيه الخير والنفع العام ، ظهر الخير والبشر في هذه الأنحاء على يده ، وكان قدومه الكريم أكبر مساعد لتحقيقه ، فلم يبق صغير ولا كبير إلا وهو يتوسل ليلا ونهارا لرافع السماء ، وباسط الأرض بأن يمد في حياته ؛ ليعلو شأن الإسلام به ؛ أغنى الفقير ، ورحم الغني ، وساعد المتوسط ، وأشفق على الكبير والصغير حتى امتلك القلوب.