تسمع لأصواته طربا ترتاح له القلوب ، وتهتز به الأرواح ، ثم سادات المدينة وأعيناها ، ثم حضرات مشايخ الطرق يتقدمهم رئيسهم الأعظم السيد حمزة الرفاعي شيخ المشايخ ومقدم الطريقة الرفاعية ، ثم تلامذة المكاتب عامة يتقدمهم مدير المعارف والإعدادي حمزة أفندي وصفي ، وجميع المعلمين حاملين أعلام النصر محلين صدورهم بقطع الحرير المزركشة ، ينشدون الأناشيد الوطنية الحماسية عربية وتركية مما كان له أعظم وقع في نفوس القوم.
وبعد برهة وصل القطار الخاص الذي حمل الشهامة ، ويقل المهابة ، فرمتقه الأنظار وتوجهت إليه القلوب ، فرشقتنا التفاتات أنورية ولحظات جمالية كانت لها كوابل حياة أمطرنا فأحينا ، وسحاب فضل سال علينا فأروانا ، ولم يكد يصل القطار إلى المحطة حتى حيته الحصون بالمدافع ، فكنت تسمع لدويها صدى ترتعش له القلوب حنانا ، وتهتز له الأفئدة تيها ، وسرعان ما تقدم مولانا شيخ الحرم عن نفسه ونائبا عن المحافظ ، ثم مدير الصحة ، ثم المفتي الشيخ مأمون بري ، ثم وكيل شيخ السادة ، ثم مفتي السادة الشافعية السيد زكي البرزنجي ، ثم عين أعيان المدينة السيد زين العابدين المدني الذي كان له القدح المعلى بنيل رضا الأنورين وحيازة الثقة عندهما ، وبعد أن ازدحم الجميع أمام البهو المعد للوزيرين الخطيرين وقف القطار ، وصعد شيخ الحرم ومن معه ، فحيوا الوزيرين تحية معترف لها بخدماتهما للإسلام ، مقدرا لهما صنيعهما حق قدره ، ثم نزل القائدان ومعهما نجل أمير مكة المكرمة المحبوب الأمير فيصل بك ، وسرعان ما ذهب الجمع إلى الردهة المعدة لهم ، فتناولوا هناك القهوة ، ثم أدير عليهم تمر الحلوى الذي وضعته الحكومة في الحجرة النبوية للتبرك تلك الليلة.