طوله نحو المائة والعشرين مترا ، وعرضه نحو الثلاثين مترا ؛ بحيث لا يكاد الإنسان ينظر إلى أخيه متلفتا.
ثم سار هذا الحفل العظيم على ذلك الترتيب الغريب بكل رزانة وتؤدة حتى باب السلام النبوي ، فلما وصلا هناك ذبحت الذبائح من غنم وإبل ، وتركت للفقراء والمساكين.
ولما اقترب حضرة أنور باشا من عتبة الباب أخذ المجاورون من أهل فاس والجزائر وتونس والهند وجاوه يقربون القرابين ، وكان نظره أثناء السير محدقا في الأرض خشوعا ، والدموع تنهمل من عينيه فرحا بالشرف الذي ناله بهذه الزيارة المقدسة ، فاقترب القادمان أولا من الروضة المطهرة ، وأخذا يرددان الصلاة والسلام على الرسول الأكرم صلىاللهعليهوسلم ، ويقرآن الأدعية الخيرية ، ثم أقبلا على الروضة المطهرة ، فصليا سنة تحية المسجد ركعتين.
ولما مثلا أمام الضريح الأقدس يعلوهما الخشوع لذلك المقام وقفا حيث الرحمات تترى ، والفيوضات الربانية تتدفق ؛ حيث تقف الروح في مركزها الأعلى ، فتستنشق هاتيك الروائح الطيبة ، فتتجرد عن الكثافات ، وتتحاشى عن الدنايا ، فاضت العيون وسالت عبرات الشوق على الوجنات ، وهنالك عرف الكل تلك الصفات التي جعلت بطلنا الأنور وشهمنا الجمال يحوزان بها ثقة الأمة ورضا الثلاثمائة مليون مسلم ؛ إذ كنت تراهما وقد ظهرا بمظهر الدين ، وترديا برداء اليقين ، راكعين لله ساجدين لعظمته أمام ذلك الجلال الرباني والنور الصمداني ، سائلين الله بجاهه أن يذلل لهم كل عقبة ، وأن يسهل عليهم كل عسير ، وأن ينصر الجيش العثماني في كل التخوم ، لا سيما في الترعة التي