ثم توجه الكل إلى الحضرة النبوية سائلين الله بجاهه أن ينظر إلى الجيش العثماني نظر رضا ، وأن يمده بجنود من ملائكته المقربين ، ثم خرجا مستعدين للرحيل.
وبعد صلاة الظهر في الحرم النبوي خرجا بعد التوديع مشيعين بمثل ما دخلا به من الاحتفال العجيب ، ولقد أمطر المدينة برشة من وابل فيضهما أحيت القلوب ، وأينعت بسببها الرياض القاحلة ـ فدفع أنور باشا ألفي ليرة للبلدية لتقسمها على الفقراء ، ثم مثلها لشيخ الحرم ؛ ليقسمها على خدمته من علماء وخطباء وأئمة ومؤذنين وفراشين وبوابين وكناسين ، وأما جمال باشا فإنه سخت نفسه بجلب عشر شاحنات من الحنطة لتقسم يوميّا على الفقراء خبزا ، فجزاهما الله عن جيران النبي خيرا ، وأرسل أنور العثمانيين بضعة ألوف من الليرات لتوزع على فقراء مكة المكرمة والقبائل المجاورة للبيتين المعظمين ، وأهدى الحرم الشريف مصحفا من أغلى ما رأته العيون ، وأجمل ما خطته أنامل الخطاطين ، فرجع بالذكرى الحسنة والثواب الآجل إن شاء الله.
قال العلامة الشيخ أسعد الشقيري لدولة وزير العثمانيين أنور باشا بين المدينة ودمشق : دخل محمد الفاتح القسطنطينية ، وفي جيشه رجل من العلماء اسمه آق شمس الدين من مشاهير العلماء ، ومما يثبت لكم تعلق الموحدين ومكانتكم من قلوبهم أنه بمناسبة زيارتكم المدينة المنورة وجد في معيتكم من آل الرسول صلىاللهعليهوسلم الأمير فيصل بك نجل أمير مكة المكرمة ، ومن يقلد الخفاء من العثمانيين السيف عند توليهم مقام الخلافة في مرقد أبي أيوب الأنصاري مولانا جلبي أفندي وأكابر العلماء ، كمفاتي الولايات ونقبائها ، وهذا من مفاخركم التي لم تسبقوا إليها.