بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
منذ انبسط ظل الإسلام على الأرض سلك الخلفاء والأمراء والوزراء في الصدر الأول والقرون الزاهرة بعده مسلكا كان فيه الغناء لجر المغانم إلى الأمة ورفع المغارم عنها ، فكانوا يتصفحون بأنفسهم شئون الناس ، وينظرون فيما يصلحهم مباشرة ، ولذلك كانوا على أوفاز أبدا ، يتنقلون في بلادهم ، ويجتازون الفيافي والقفار ، يهتمون برفع الظّلامات اهتمامهم بتوسيع الفتوحات ، ويعنون بالماديات والمعنويات عنايتهم باللدنيات والدينيات ، يفارقون الأهل والولد ، ولا يعلقون براحة ، ولا يشغفهم حب بلد ، وقد ازدان صدر التاريخ بذكر تلك المفاخر والمآثر ، وكان حقّا على الأخلاف أن يهتدوا بسيرة الأسلاف.
وما برح أهل هذه الملة إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم يقرءون أسفار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى القدس ودمشق ، وتنقل عمر بن عبد العزيز الأموي في مملكته ، ومسير طارق بن زياد إلى الأندلس ، وأسد بن الفرات إلى صقلية ، وعبد الله بن أبي السرح إلى إفريقية ، وقتيبة بن مسلم إلى الصين ، ومحمود بن سبكتكين إلى الهند ، والخليفة المأمون العباسي إلى خراسان والروم ومصر والشام ، وعبد الله بن طاهر ، وعبد الرحمن الداخل ، ونور الدين محمود بن زنكي ، وصلاح الدين يوسف بن أيوب ، والظاهر بيبرس البندقداري ، وألب أرسلان السلجوقي ، ومحمد الفاتح ، وسليمان القانوني ، وسليم العثماني ، وغيرهم من لم تشغلهم نضرة النعيم عن التدبر في حال بلادهم ، ومدّ رواق الإسلام على الأنام ، وكف العوادي عن قومهم ، وحماية ديارهم ؛ حتى سادوا الأمم ، وغدت