ملتهم أرقى طبقات البشر لعهدهم ، وأوسعها سلطانا ، وأكثرها أمنا وأمانا ، وأوفرها مدنية وعمرانا ، فظهر للملأ عدلهم وعلمهم وعملهم ، وكانوا خير أمة أخرجت للناس في أخلاقهم الفاضلة ، وعقولهم الراجحة ، وتجارتهم الرابحة الناجحة.
وكثيرا ما كان بعض من رزقوا حظّا من الفهم والنظر في العواقب يتلهفون على انقطاع التجدد في هذه الأمة منذ زمن ليس بقليل ، خصوصا وآمال المسلمين في القاصية والدانية معلقة بالدولة العثمانية ؛ إذا هي نهضت نهض المسلمون كافة ، قوتهم بقوتها ، وضعفهم بضعفها ، ولا رجاء لهم في البقاء إلا إذا أتى الخير على أيدي القائمين بأعباء دولة الخلافة.
وبينا كاد اليأس يقضي على آمال العالمين منّ الله سبحانه وتعالى بإخراج رجال من أكابر المخلصين في السلطنة لم تلههم زينة خليج دار الخلافة ومضيقها ، ولا ذاك الهواء العليل ، والمناظر الرائعة ، والنعيم المقيم ، وطيب العيش في تلك الأفياء والأرجاء ؛ بل جعلوا دأبهم التفكر في نهضة الأمة ، وإعادة سالف عزها لها ، والعمل على تجديد حياة الجامعة الإسلامية ، وفي مقدمة أولئك الرجال سيف الإسلام القاطع ، وكيل أمير المؤمنين في قيادة الجيوش العثمانية.
أنور باشا
ناظر الحربية في الدولة العلية
فإنه أحيا سنة الخلفاء والعظماء بسيرته الطاهرة ، ووطنيته الباهرة ، ورحلاته المتكاثرة.