نبغ هذا العظيم ، والقوم نسوا ـ أو كادوا ـ مشخصاتهم ، وصار أكثرهم إلى دركة من الانحطاط ، يعدّ معها العلم وساوس ، والشجاعة تهورا ، والنظر في المستقبل فضولا ، وإعداد القوى للتغلب على الخصم من سوء فهم عقيدة القضاء والقدر ، وضعف النفس والرضى بالدون والمذلة من الظرف والأدب وحسن السياسة ، وإقامة الشعائر الدينية من أمارات الجمود وعدم الأخذ بنصيب من المدنية الحديثة ، ولكنه أدام الله توفيقه عمل عمل المستقل الفكر ، القوي الإرادة ، الواسع الأمل ، فاستجاش أنصارا إلى مذهبه ؛ حتى أجمعت القلوب على حبه ، وأشربت النفوس احترامه ، لكثرة ما تمّ على يديه من الأعمال المجيدة ، وتوفر جمهور المعجبين بنبوغه وعقله ، وإخلاصه ورباطة جأشه ، فنزع بالبرهان ما علق من الأوهام في الأذهان ، وقوى القلوب الميتة ، ونهض بالنفوس المستخذية المستكينة.
نعم ، أثبت قائدنا المحبوب أمام العالم أجمع بالمثال الحي الفعال كيف يجب أن يكون في الإسلام الأبطال.
وبعد ، فأي عمل نذكره له؟ أنذكر له الأحاديث المسلسلة في باب تفانيه منذ وعى على نفسه ، في خلع ربقة الاستبداد ، وإعادة حكم الشورى في هذه السلطنة؟ أو نورد له سفره إلى طرابلس الغرب قبل ارتقائه إلى منصة الوزارة ، وتخليه عن أسباب الراحة ، وافتراشه هناك الحجر والمدر ، والتحافه العراء وقبة السماء ، واكتساءه غليظ الثياب ، وتبلغه بميسور العيش من طعام وشراب؟ أو نستشهد له بجهاده البليغ في حرب البلقان ، وكف عادية العدو عن استباحة حمى دار السلطنة واسترجاع أدرنة ، وما يرجع الفضل الأول إلا إليه في الإبقاء على هذه العاصمة عثمانية صرفة؟ أو نعدد له بيض أياديه في تنظيم الجيش