إن الذي يرى أنور بك وقد أطلق من لحيته وترك شعره مسترسلا على منكبيه معرضا وجهه لحرارة القيظ لا يلبث أن يميل الاعتقاد بأن هذا الرجل قلما يوجد مثله بين الناس ، وأنه يجدر بالإنسانية أن تباركه وتقدس اسمه».
ثم ذكر المراسل الحربي ما أحدثه هذا البطل الكبير من التأثير في نفوس العرب ، وما له من الاحترام العظيم في قلوب القوم. ثم قال :
«رأيت من أنور بك أمرا غريبا وهو تفقده الأحداث بنفسه ومشارفته أمورهم بمفرده ، وإني لأذكر أنه تقدم من طفل صغير هو أقل سنّا من بقية تلامذة المدرسة التي أسسها ذلك البطل ، فجثا على قدميه وأمسك الطفل بيديه ، وبعد أن نظر إليه قليلا ، قال له بلهجة يتخللها الحنو الأكيد :
هل أتقنت الأمثولة يا بني؟
فأجابه الطفل وهو لا يقوى على النطق :
أجل يا أبت ، تعلمتها عن ظهر قلب.
قال : فأسمعني إياها.
فأطبق الطفل عينيه ، وقال :
«الوطن هو طرابلس الغرب ولا راحة للإنسان إلا أن يدافع عن وطنه ، والعدو هو إيطاليا ولا يتمكن الضمير من الإخلاد إلى السكون إلا بفشل العدو ، ووالدي هو السلطان محمد الخامس ورضاء الوالد مقرون برضا الله ورسوله».