ها (١) من أحسّ بنيّ اللّذين هما |
|
كالدّرّتين تشظّى (٢) عنهما الصّدف |
ها (٣) من أحسّ بنيّ اللّذين هما |
|
مخّ العظام ، فمخي اليوم مزدهف (٤) |
خبّرت (٥) بسرا ، وما أيقنت ما زعموا |
|
من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا |
أنحى على ودجي ابنيّ مرهفة |
|
مشحوذة لم يخالط حدّها عقف (٦) |
من دلّ والهة عبرى مسلّبة |
|
على صبيين ضلا إذا غدا السلف |
قال : فدخل عبيد الله على معاوية حين استقام له الناس ، وقد عزل بسر بن أبي أرطأة على اليمن ، فقال عبيد الله : يا أمير المؤمنين إنّ بسرا قتل ابنيّ ظالما لهما ، ولو أنه أصاب ابنيك على الوجه الذي أصاب ابنيّ عليه قتلهما ، ولو ولينا من أمره ما ولّيت أقدناكه ، فأقدنيه بابني ، وأيم الله أن لو قتلت بسرا بهما كان من قتله بواء بهما ، ولكن لا سبيل لي إلّا على من قتل ابنيّ ، وإني في ذلك لكما قال امرؤ القيس الكندي في قاتل حجر أبيه :
وقد يشفي الضّغينة غير كفء |
|
وقد يملأ الوطاب من الحباب |
وكما قال عمرو بن عدي بن أخت جذيمة الأبرش في قتل خاله :
إن أقتلك لا أقتلك إلّا لجاجة |
|
أو أتركك لا أتركك إلّا تكرّما |
وقد علمت قريش أنّي غير هشّ المشاشة (٧) ، ولا مريء المأكلة ، وإنّ أولنا ساد أولكم ، وإنّ آخرنا هدى آخركم ، فإن كنت أمرت بسرا بقتل ابني فقتل ابني خلّينا عنه وطلبناك ، وإن كنت لم تفعل خلّيناك وطلبناه ، وأيم الله لو لا أنه لا فتك في الإسلام ، لما سألناك استقادة بسر.
فقال معاوية : يا عبيد الله إنّ بسرا قتل ابنيك ظالما لهما ، فاقتل ابنيه بابنيك فدونك الرجل ، وأما قولك إنّي غير هشّ المشاشة ، ولا مريء المأكلة ، فكذلك بنو عبد مناف ، وقريش بعضها أكفّاء بعض ، عرض بعرض ، ودم بدم ، ولا والله ما أمرته بقتلهما ولا عزلته إلّا لهما ، ولو أمرته لاعتذرت (٨) إليك ، وطلبك بسرا أهون عليّ من طلبي. ولقد ساد أولكم
__________________
(١ و ٣) في المصادر : يا.
(٢) تشظى : زال.
(٤) الازدهاف : الشدة والأذى ، والزهف : الحزن.
(٥) الكامل للمبرد : نبئت.
(٦) عجزه في الكامل للمبرد : وعظيم الإفك يقترف.
(٧) المشاشة : رءوس العظام اللينة التي يمكن مضغها.
(٨) الأصل : لا اعتذرت ، والتصويب عن م.