نسبه فذاك الذي إذا قال فعل ، وإذا ظلم قتل ، والآخر كأنه شعلة نار وكأنه يطلب الخلق بثأر ، فذاك الموت المائت ، هو والله والموت قسمان ، فاقرأ عليهم سلامي ، وقل لهم : تقول لكم والدتكم ، لا يحدّثنّ أحد (١) منكم أمرا حتى تأتوها ، فانطلق الغلام ، فلما جاء الفتية أخبرهم ، فما قعد قائمهم ، ولا شدّ جمعهم ، حتى تقدموا سراعا ، فلما دنوا من عبيد الله ورأوا أمّهم سلّموا ، فأدناهم عبيد الله من مجلسه ، وقال : إنّي لم أبعث إليكم ولا إلى أمكم لما تكرهون ، قالوا : فما بعد هذا؟ قال : أحب أن أصلح من أمركم ، وألمّ من شعثكم ، قالوا : إنّ هذا قلّ ما يكون إلّا عن سؤال أو مكافأة لفعل قديم ، قال : ما هو لشيء من ذلك ، ولكن جاورتكم (٢) في هذه الليلة ، وخطر ببالي أن أضع بعض مالي فيما يحبّ الله عزوجل ، قالوا : يا هذا ، إنّ الذي يحب الله لا يحب لنا إن كنا في خفض من العيش ، وكفاف من الرزق ، فإن كنت هذا أردت فوجهه نحو من يستحقّه ، وإن كنت أردت النوال مبتدئا لم يتقدمه سؤال فمعروفك مشكور ، وبرّك مقبول ، فأمر لهم عبيد الله بعشرة آلاف درهم ، وعشرين ناقة ، وحوّل أثقاله إلى البغال والدوابّ ، وقال : ما ظننت أن في العرب والعجم من يشبه هذه العجوز وهؤلاء الفتيان.
فقالت العجوز لفتيانها : ليقل كل واحد منكم شيئا من الشعر في هذا الشريف ، ولعلّي أن أعينكم.
فقال الكبير :
شهدت عليك بطيب الكلام |
|
وطيب الفعال وطيب الخبر |
وقال الأوسط :
تبرّعت بالجود قبل السّؤال |
|
فعال كريم عظيم الخطر |
وقال الأصغر :
وحقّ لمن كان ذا فعله |
|
بأن يسترقّ رقاب البشر |
وقالت العجوز :
فعمرك الله من ماجد |
|
ووقيت سوء الرّدى والحدر |
آخر الجزء السادس والثلاثين (٣) بعد الأربعمائة.
__________________
(١) الأصل : أحدا ، تصحيف والتصويب عن م.
(٢) بالأصل : «جاوزتكم» وفي م : جارتكم في هذه الليلة.
(٣) في م : والثلاثون.