بماضي أسلافهم ، بل ساعين إلى أن يبنوا من جديد لحاضرهم ومستقبلهم في حياتهم كما بنى أسلافهم.
فهو أبدا داع إلى أن العقل يجب أن يحكم كما يحكم الدين ، فالدين عرف بالعقل ولا بد من اجتهاد يعتمد على الدين وعلى العقل معا حتى يستطيع المسلمون أن يواجهوا الاوضاع الجديدة في المدينة الجديدة مقتبسين منها ما يفيد وينفع ، وإذا كان المسلمون لا يستطيعون ان يعيشوا في عزلة فلا بد لهم من أن يتسلحوا بما يتسلح به غيرهم ، واكبر سلاح في الدنيا هو العلم. واكبر عمدة في الأخلاق ، هو الدين ومن حسن حظ المسلمين إن دينهم يشرح للعلم صدره حاضا عليه غير ضائق بالأخلاق الفاضلة التي تدعو إليها المدنية الحاضرة.
ان الشيخ ـ مع هيبته وحدته ـ كان طيب القلب سليم الصدر وفيا لأصدقائه لطيف الحديث سمح النفس ينصف الناس في الحق حتى من نفسه.
ومن أعجب ما يعجب له الذين يحبون أن يعرفوه على حقيقته أن يطلب إلى فاضل من فضلاء علماء المسلمين النيل منه حتى يتخذ من ذلك ذريعة إلى تعيينه شيخا لعلماء مدينة الاسكندرية فتتهيأ بذلك له السبيل إلى إصلاح الأزهر من مدينة الاسكندرية وقد عجز عن ذلك الإصلاح في مدينة القاهرة وذلك ـ على ما يروى السيد رشيد رضا ـ أن الإمام أشار على الأستاذ الشيخ محمد شاكر قاضي قضاة السودان أن يظهر السخط عليه لاستمالة الخديو تمهيدا لتعيينه شيخا لعلماء مدينة الإسكندرية ، إذ كان من المعروف لدى الخديو أن الشيخ محمد شاكر هو من حزب الشيخ محمد عبده ومن رجاله وأنه هو الذي اختاره للسودان وسعى لجعله قاضي القضاة فيه ، وبهذه الحيلة من الرجلين الكبيرين محمد عبده ومحمد شاكر لطف الله بعباده العلماء وأراد ألا يبقى حالة الإسكندرية على ما كانت عليه من الخلف وتعطيل الأعمال فتقرر انتخاب الشيخ شاكر شيخا لعلماء الإسكندرية وصدر الأمر العالي بذلك في ٢٦ إبريل سنة ١٩٠٤.