ولا يجهل الناس أن هذه منقبة للأستاذ الإمام تذكر في تاريخه كما تذكر كبار المناقب لكبار المصلحين (١).
ويقول الشيخ مصطفى عبد الرازق : لم يكن الإمام أول من أحدث في الأزهر حركة تجديد ، فإن حركة التجديد الأولى ترجع إلى عهد قبل ذلك ، ومن مظاهر هذه الحركة اختيار شيوخ الأزهر من الأذكياء ذوي الوجاهة وحسن السياسة من غير مراعاة لما كانت تجري به التقاليد في هذا الباب ، فإن الشيخ مصطفى العروسي الذي ولي مشيخة الأزهر من سنة ١٢٨١ ه إلى ١٢٨٧ ه ـ ١٨٦٤ م ـ ١٨٦٩ م والشيخ محمد العباسي المهدي الذي اختير على أثره شيخا للأزهر سنة ١٢٨٧ ه ١٨٧٠ م لم يكونا من أسن شيوخ عصرهما ، ولا من أوفرهم شهرة بالتدريس والعلم.
وقد أبطل الشيخ العروسي كثيرا من البدع الدينية وأقال جماعة ممن يدرسون في الأزهر بلا استحقاق وعزم على عمل امتحان لمن يريد التدريس ففاجأه العزل من منصبه ، وجاء من بعده الشيخ المهدي فوضع سنة ١٢٨٨ ه ـ ١٨٧١ م أول قانون للأزهر يحصر مواد الدروس ويبين طريقة الامتحان ، وفي عهده عني بإصلاح الأزهر ليصل بذلك إلى إصلاح المحاكم الشرعية .. فالغرض من هذا الإصلاح كان تخريج قضاة المحاكم الشرعية تخريجا نظاميا تتم به المشاكلة مع صورة التخريج لقضاة المحاكم المدنية.
وهذا الاتجاه في إصلاح الأزهر هو بعينه ما أعرب عنه الخديوي عباس في خطبته بقصر عابدين في حفلة الإنعام بالخلعة على الشيخ عبد الرحمن الشربيني شيخ الأزهر سنة ١٣٢٣ ه ـ ١٩٠٥ م وهي الخطبة التي استقال على أثرها الشيخ محمد عبده وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان من مجلس إدارة الأزهر. قال الأمير ـ على ما جاء في الجزء الأول من تاريخ الأستاذ الإمام ـ : إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر شيئان : الأول استتباب الأمن فيه وهو ما
__________________
(١) الاخبار ٢٧ ـ ٧ ـ ١٩٧٣.