ومن حسن الحظ أن يجمع كل أهل الغيرة في كل البلاد الإسلامية على رأي واحد في هذه المشكلة هو أن يعرف عالم الدين علوما أخرى يعيش بها ويشارك بها في النهضة ليرتفع مقام الدين عن أن يكون حرفة أو أن يكون سببا للتعطل والضياع في المجتمع ، وسبيل ذلك أن تتطور معاهد الدراسات الإسلامية العالية بحيث تواجه احتياجات النهضة فلا تقتصر على الدراسات الدينية بل يجب أن تجمع إليها علوما أخرى تتحقق بها لكل خريج الخبرة والمعرفة وسلامة العقيدة ليعود هؤلاء الخريجون إلى مراكز القيادة في كل مجال من مجالات النشاط في العالم الإسلامي المتحرر.
هذه الحقائق المسلم بها لا تكاد تجد لها صورة صحيحة في خريجي الأزهر لعصرنا ، ومن ثم كان نوع من الانعزال بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه. ونشأت مشكلة تعطل كبيرة بين هؤلاء الخريجين زادتهم انعزالا عن المجتمع. وأعقبت هذه المشكلة آثارا كبيرة في نفوس الأزهريين وفي نفوس الشعب جميعا ، كما كان لها أثرها في قوة العقيدة في نفوس هؤلاء وأولئك ، أما في نفوس الأزهريين فذلك أن خريج الأزهر حين يتعطل يمكن أن يقع في وهمه أحد أمرين : إما أن عالم الدين مآله التعطل والهوان ، فيصيبه وهن العقيدة قبل أن يصيب غيره ، وإما أن الدولة لا تعترف به والشعب يحاربه ، فيعتزل الدولة والمجتمع.
وأما في نفوس الشعب فإن الناس لا يكادون يعرفون الدين إلا من صورة عالم الدين ، فإذا كان عالم الدين على ما وصفنا فما أسرع أن يرين الشك على بعض القلوب وتفسد بعض العقائد.
من ذلك أو من بعضه يكون وهن العقيدة وتكون بعض صور الانقسام في المجتمع ، ويكون تعقد نفوس كثيرة ، ويكون سوء ظن بعض المواطنين ببعض ، وسوء رأي بعض المواطنين في بعض.
ويمكن أن نلحظ مثل هذا الشعور في بلاد أخرى وراء حدود وطننا ، إذ كان مآل كثيرين من المبعوثين من تلك البلاد إلى الأزهر بعد أن عادوا