العام ، لذلك وضع دستورا ثابتا واضحا يجعل الثروات رأسماليات متوسطة وصغيرة ، فحث المسلمين على الانفاق في أكثر من سبعين آية ، وفرض الزكاة في مال الأغنياء للترفيه عن الفقراء والمساكين ، ولقد قاتل الخليفة أبو بكر منكريها ومانعيها ، وجعل الاسلام إطعام الفقراء ، والتصدق على المساكين كفارة لكثير من الهفوات كما في حنث اليمين ، وفي إفطار رمضان عمدا أو لعذر ، وفي الظهار ، وفي محظورات الحج. كما شرعه في مناسبات كثيرة مثل يومي عيد الفطر والأضحى وغيرهما من المواسم الدينية. في كل هذه الأحوال وغيرها جعل الإسلام التخفيف من ويلات الفقراء والعطف على المساكين ، من سمات تلك المواسم والأحوال.
أضف إلى ذلك النظام الارثي في الإسلام ، فإنه يحطم الثروة ويفتتها تفتيتا لا مثيل له في أي قانون آخر. فالقانون الانجليزي يحصر الثروة في البكر من الأولاد ، ويحرم من عداه ، وبعض القوانين الأخرى تجيز الوصية لأي كائن بجميع المال ، سواء أكان وارثا أم غير وارث حتى للكلاب والقطط ، وسائر الحيوان ، أما الإسلام فيوزع أنصباء الارث توزيعا واسعا ، فيعطي للقرابات أنصبة متفاوتة ، ولا يسمح لصاحب الثروة ان يتصرف فيها بالوصية إلا بالثلث ، والثلث كثير ، وهذا كله محافظة على التوازن الاقتصادي ، ويقول الله تعالى في سورة الحشر : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ.)
فأنت ترى أن الإسلام قد نحا بالاقتصاد منحى عادلا ، رعاية منه للمصلحة الاجتماعية ، واجتنابا لطغيان الاغنياء (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى.) وهكذا نجد الدين الإسلامي قد وقف موقفا رائعا في توزيع الثروة وتجزئتها إلى ملكيات متوسطة وصغيرة من غير إكراه ، ليقي المجتمع شرور البطر من الأثرياء ، والحقد والبغضاء من الفقراء.
والمزاحمة هي وسيلة في الاقتصاد الغربي ، وكانت عيبا من عيوبه ، وهي أيضا وسيلة الاقتصاد الإسلامي لكنها ليست عيبا فيه. فهي مختلفة في النظامين ، فما قيل من أنها تؤدي إلى دخول الرأسماليين في السوق بغير