علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم |
|
بأبيض من ظامي الحد يديمان |
فإن تقتلوا زيدا بزيد فإنّما |
|
أقادكم السّلطان بعد زمان |
وأمّا قوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٦٢] فإنّ ذلك نكرة ليس يريد كل بكرة وكلّ عشية ، وإنّما تأويله والله أعلم : أنّ الجنة لا ليل فيها يفضي إلى نهار ، ولا نهار يتّصل بليل ، ولا شمس ، ولا قمر إنّما هو في مثل مقادير العادة في الدّنيا.
وعلى هذا جاء الحديث : «نهار الجنة سجسج» : إنّما المعنى أنه أبدا كالنّهار وقوله : سجسج أي معتدل لا برد فيه ولا حرّ. فإن قلت : كيف جاز أن يصير ما حكمه أن يكون شائعا فيما يصلح له مختصا ببعضه ، حتّى زعمت في هذه الأسماء ما زعمت. قلت : ذلك لا يمتنع في عادتهم وطرقهم ، ألا ترى أنّ قولهم : ابن عباس يختصّ بعبد الله حتى لا يعلم منه غيره ، وإن للعباس أولادا دون عبد الله ، وكذلك قولهم : ابن الزبير اختصّ به عبد الله فيما استمرّ من العادة.
فأما سحر : فإنّك تقول : سير عليه سحر ، فلا ينصرف ولا يتصرّف إذا أردت سحر يومك ، ومعنى لا يتصرّف لا يتمكّن تمكن أسماء الأزمان في أبوابها. ومعنى لا ينصرف : لا يدخله الجر والتنوين. فإن أردت سحرا من الأسحار وهو في موضعه نكرة ، فلا مانع له من الصّرف والتمكّن ، ونقول : إنّ سحرا جزء من آخر اللّيل ، وفي سحر وقع الأمر. وقال الله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [سورة القمر ، الآية : ٣٤] وعلى هذا إن أدخلت الألف واللّام تقول : سير به السّحر المعروف ، وإنما منع الصّرف حين قلت : آتيك سحر ، وأنتظر سحر لأنه معدول عمّا فيه الألف واللّام.
وكان شيخنا أبو علي الفارسي يختار أن يقال : إنّه معدول عن أحوال نظائره ألا ترى أنّ أخواته إذا عرفت جاءت بالألف واللّام فهو جار مجرى أخر ، وجمع في العدل وإن كان أخر نكرة وسحر وجمع معرفتان ، وقد بيّنا الكلام فيه فيما يجري ولا يجري ، وإنّما لم ينصرف لأنه بلفظ النّكرة موضوع موضع المعارف من غير أن جعل علما ، فهو مناسب لضحوة وعتمة إذا جعلا من يومك الذي أنت فيه.
قال أبو علي الفارسي : دخول الألف واللّام في عتمة إذا أردت عتمة ليلة لا أعلمه استعملت الكلمة بهما. وسيبويه لم يذكره ولا يجوز حمله على ضحوة وغدوة وبكرة قياسا كما يقوله الأخفش ، فيرفع وينصب. قال : ويقوّي ما ذهب إليه سيبويه من أنّ عتمة لا يستعمل إلا ظرفا إذا أردت به عتمة ليلتك ، أنّ ما أشبهها من الظّروف لم يستعمل إلا ظروفا. فمن ذلك : سير عليه ضحى وصباحا ومساء وعشية وعشاء ، إذا أردت بجميعها ما ليومك وليلتك ، وكذلك سير عليه ليلا ونهارا ، أشبه بالمصادر وقد جعلت ظروفا.