شهر رمضان إلى آخره ، ثم تنقشع إلى مثلها من السّنة المقبلة وبيعهم بها الجس جس اليد ، ولم يكن أحد من أهل هذه الأسواق يريد السّوق الأخرى إلا إذا اشترى رجل من أهل بلده ، فإنّه كان يشتري منه كما يتبايعون بتلك البلاد.
ثم رابية حضرموت وعكاظ
ثم يصدر النّاس عنها إلى سوقين. أحدهما : رابية بحضرموت والأخرى عكاظ في أعلى نجد وعكاظ قريب من عرفات.
فأمّا الرابية فلم يكن يصل إليها أحد إلا بخفارة لأنّها لم تكن أرض مملكة وكان من عزّ فيها بزّ صاحبه ، فكانت قريش تتخفّر ببني أكل المرار من كندة ، وسائر النّاس بآل مسروق بن وائل الحضرمي ، فكانت مكرمة لأهل البيتين ، وفضل أحدهما على الآخر كفضل قريش على سائر النّاس ، فكان يأخذ إليها بعض النّاس وبعضهم إلى عكاظ ، وكانتا تقومان بيوم واحد في النّصف من ذي القعدة.
وكانت عكاظ من أعظم أسواق العرب ، وكانت قريش تنزلها ـ وهوازن ـ وغطفان ـ وخزاعة ـ والأحابيش ـ وهم الحارث بن عبد مناة ـ وعضل والمصطلق وطوائف من أفناء العرب ينزلونها في النصف من ذي القعدة فلا يبرحون حتى يروا هلال ذي الحجّة. فإذا رأوه انقشعت ولم يكن فيها عشور ولا خفارة ، وكانت فيها أشياء ليست في أسواق العرب ، كان الملك من ملوك اليمن يبعث بالسّيف الجيد ـ والحلّة الحسنة ـ والمركوب الفاره ـ فيقف بها وينادي عليه ليأخذه أعزّ العرب ، يراد بذلك معرفة الشّريف والسّيد فيأمره بالوفادة عليه ويحسن صلته وجائزته ، وكان بيعهم بها السّرار ، فإذا وجب البيع وعند التاجر ألف رجل ممن يريد الشّراء ولا يريده فله الشركة في الرّبح.
ذو المجاز ونطاة خيبر وحجر اليمامة
فإذا أهلّوا هلال ذي الحجة ساروا بأجمعهم إلى ذي المجاز ، وهو قريب من عكاظ وأقاموا بها حتّى يوم التّروية ، ويواتيهم حينئذ حجّاج العرب ورءوسهم ممّن أراد الحج ممن لم يكن شهد الأسواق ، وكانت العرب في أشهر الحج على ثلاثة أهواء : منهم من يفعل المنكر وهم المحلّون الذين يحلّون الحرم فيغتالون فيه ويسرقون ، ومنهم من يكفّ عن ذلك ويحرّمون الأشهر الحرم ، ومنهم أهل هوى شرعه ، لهم صلصل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف من بني عمرو بن تميم فإنه أحلّ قتال المحلّين.
قال أبو المنذر عن أبيه وخراش : هذا قول بني تميم ، فأمّا الثبت عندنا فهو القملس الكناني وأجداده من قبله وهو الذي نسأ الشّهور ـ والمحلّون ـ طيّىء وخثعم وناس من بني