الله واحدا سميعا بصيرا ، ومثله أصبح الذي يمثل باستيقظ ، وأمسى الممثل بنام.
وقد فسّر سيبويه ما برح بما زال ، ولم يجعله من البراح إيذانا بالفرق بين ما جعل عبارة وبين غيره ، وقال تعالى : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [سورة طه ، الآية : ٩١] وفي موضع آخر : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [سورة الكهف ، الآية : ٦٠] والمعنى لا أزال أسير حتى أبلغ ، ولو جعل من البراح لدافع قوله حتى أبلغ ، لأنّ الثّابت في موضعه لا يكون متبلغا ، ومما يشرح هذا الذي قلناه امتناعهم من قول القائل : ما زال زيد إلا كذا حتى ردّوا على ذي الرّمة قوله :
حراجيح (١) ما تنفكّ إلا مناخة |
|
على الخف أو ترمي بها بلدا قفرا |
وقالوا الاستثناء ممتنع هنا وإنّما هو حراجيح ما ينفك مناخة أي لا يزال شخوصا مجهودة ، وحمل إلا على الكثرة والجنس ، ومنهم من قال : ما تنفكّ من قولهم فككته فانفكّ كأنه يخرجه من أن يكون مما يدخل على المبتدأ والخبر ، ويجعله مستقلا بفاعله مثل كان التامة ، ويكون المعنى لا ينخل قواه إلا في هذه الحالة وعلى هذا ما فتئ وفي القرآن : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [سورة يوسف ، الآية : ٨٥] أي لا تفتؤ ولا تزال.
فإن قال قائل : فهل يجوز أن يوصف الله تعالى بأنه ذخر وسند؟ قلت : هذا لا يكون إلا مجازا وما لا يجب من جهة الحقيقة لا يجوز عندنا وصف القديم به إلّا إذا كثر في كلام أهل الدين وأخبار أرباب اللغة فيصير تبعا فيه لهم ، وذلك أنّ الذّخر ما يذخره الإنسان ويحرزه لنفسه وليوم حاجته ، ويكون في الوقت كالمستغني عنه فيقال : أذخر هذا لطوارق الزّمان ونوائب الدهر والأيام وعلى هذه الطريقة لا يجوز ذلك على الله لأنّ الحاجة إليه دائمة فهذا في الذّخر وكذلك السند في الحقيقة هو ما أسند الإنسان إليه ظهره والله متعال عن هذه الصفة. فإن قيل : فهل يجوز أن يوصف الله بأنه نجي وولي؟ قلت : النجيّ فعيل ويراد به الذي يناجي ، ووصف به الجمع في قوله تعالى : (خَلَصُوا نَجِيًّا) [سورة يوسف ، الآية : ٨٠] وإن كان على لفظ الواحد كما جاء فعول في قوله تعالى : (عَدُوٌّ لِي) [سورة طه ، الآية : ٣٩] وإذا كان كذلك فليس هو كالنكير والنّذير لأنهما مصدران ، ولكنّه بمنزلة العلي والولي ونحوه مما يكون ، والوالي والولي بمعنى واحد ، قال تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٧] وقال تعالى : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) [سورة الرّعد ، الآية : ١١] ، وكذلك النجيّ ومثله الصّديق والخليط في أنه بلفظ الواحد ووصف به الجمع ، وقوله : إني إذا ما القوم كانوا أنجيه. فأنجيه كقولهم كثيب وأكثبة ورغيف وأرغفة شبه الصفة بالاسم فكسرت تكسيره
__________________
(١) الحرجوح : الناقة السمينة ـ قاموس.