أن ضعفت قوّته قال : فقال لنا (١) : كنت جالسا يوما بين الظهر والعصر ، والناس يتنفلون وليس يمكنني الصلاة قائما ، فأبكاني ذلك بكاء شديدا أسفا على الصلاة ، ثم حملتني عيني فإذا شخصين دخلا عليّ فقال أحدهما لصاحبه : إنّ أبا بكر يبكي على الصّلاة ، فقال الآخر لي : يا أبا بكر لم تبكي؟ فقلت : أسفا على الصلاة قال : لا تبك ، فإنّ هذا الأمر ليس على هذا أسّس ، فقلت : يرحمك الله ، فعلى ما ذا أسّس؟ فقال : على من أين؟ ولمن؟ يعني الورع.
أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكّي في كتابه ، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن إبراهيم بن الحكّاك ، أنبأنا الحسين بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنبأنا علي بن عبد الله بن جهضم ، حدّثني أبو بكر محمّد بن داود ، حدّثني أبو بكر بن إسماعيل الفرغاني قال : كنت آكل من المنبوذ وأتقوّته حتى ضعفت نفسي ، فلمّا كان ذات يوم جمعة كنت جالسا في جامع دمشق داخل المقصورة بين الأولى والعصر ، والناس وقوف يصلّون ، أسفت على القيام وما يفوتني منه ، فبينا أنا كذلك إذا بالمحراب قد انشقّ وخرج منه شخصان وجلسا بحذائي فقال أحدهما للآخر : أبو بكر نراه يبكي ، فقال الآخر : ولم؟ فقال : على ما يفوته من القيام ، فقال الآخر : هذا الأمر لم يوضع على هذا ، فقال له صاحبه : فعلى ما ذا وضع؟ فأصغيت إليهما فقال : وضع هذا الأمر على لمن؟ ومن أين؟ ثم غابا عنّي ، فعلمت أنهما ظهرا لي بعظة.
قال : وأنبأنا ابن جهضم ، حدّثني الشيخ الصالح أبو بكر الهلالي ، حدّثني أبو بكر بن إسماعيل الفرغاني قال : كنت أدفع إلى شدة الفاقة أياما كثيرة ، وربّما كنت أسقط مغشيا عليّ ، وكنت حينئذ قليل الدراية ، وكنت أنظر إلى أظفار أصابعي كمدة (٢) من الجوع ، فقلت ذات يوم في نفسي : لو علّمتني اسمك الأعظم سألتك به إذا حلت بي فاقة متلفة ، فأنا يوما بدمشق على باب البريد جالس ، رأيت رجلين وقفا على باب المسجد ، فوقع في نفسي أنهما ملكان ، فوقفا بحذائي ، فقال أحدهما للآخر : تريد أعلّمك اسم الله الأعظم؟ فقال الآخر : نعم ، فأصغيت إليهما فقال : هو أن تقول : يا الله ، يا الله ، فقلت : قد تعلّمت ورجعت كما كنت ، فقال أحدهما : ليس كما تقول أنت ولكن بصدق اللجأ. قال الشيخ أبو بكر : صدق اللجأ يكون مثل الغريق في لجّ البحر لم يبق شيء يتعلق به ، ولا له ملجأ إلّا الله عزوجل.
__________________
(١) في «ز» : أنا.
(٢) الكمد : بالتحريك تغير اللون وذهاب صفائه وبقاء أثره (تاج العروس : كمد).