العاص إلى عمر بن الخطاب يعلمه بما صنع الله للمسلمين. وما فتح عليهم (١) ، وما فعلوا فى خططهم ؛ وما استحبّت همدان ومن والاها من النزول بالجيزة. فكتب إليه عمر ، يحمد الله على ما كان من ذلك ، ويقول له : كيف رضيت أن تفرقّ عنكّ أصحابك ، لم يكن ينبغى لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينهم وبينك بحر ، لا تدرى ما يفجؤهم فلعلّك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره. فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك ، وأعجبهم موضعهم. فابن عليهم من فىء المسلمين حصنا.
فعرض عمرو ذلك عليهم فأبوا ، وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم ؛ يافع وغيرها ، واحبّوا ما هنالك ، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن الذي بالجيزة فى سنة إحدى وعشرين ، وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين.
قال غير ابن لهيعة من مشايخ أهل مصر : إن عمرو بن العاص لّما سأل أهل الجيزة أن ينضمّوا إلى الفسطاط ، قالوا : متقدّما (٢) قدّمناه فى سبيل الله ما كنّا لنرحل (٣) منه إلى غيره ، فنزلت يافع الجيزة ، فيها مبرّح بن شهاب ، وهمدان ، وذو أصبح ، فيهم أبو شمر بن أبرهة ، وطائفة من الحجر ، منهم علقمة بن جنادة أحد بنى مالك بن الحجر*).
وكانت منهم طائفة قد اختطّوا بالفسطاط أسفل من عقبة تنوخ ، قد بيّنت ذلك فى صدر كتابى.
قال : وقد كان دخل مع عمرو بن العاص قوم من العجم يقال لهم الحمراء والفارسيّون. فأمّا الحمراء فقوم من الروم فيهم بنو ينّة وبنو الأزرق وبنو روبيل. والفارسيّون قوم من الفرس وفيهم (٤) زعموا قوم من الفرس الذين كانوا بصنعاء ، وكان حامل لوائهم ابن ينّة ، وإليه تنسب سقيفة ابن ينّة التى بفسطاط مصر بالحمراء.
فقالت الروم والفارسيّون : إنّهم العرب ، وإنّا لا نأمنهم ونخاف الغدر من قبلهم ، قالوا : فما الرأى؟ قالوا : ننزل نحن فى طرف وأنتم فى طرف ، فإن يكن منهم غدر كانوا
__________________
(١) ب ، ج ، ك : «وما فتح الله عليهم».
(٢) أ ، ك : «متقدّم». ومثله عند السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.
(٣) أ ، ك : «لندخل».
(٤) ب : «ومنهم».