الله جلّ ثناؤه يقول (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(١) فقال عبد الله : اركبوا باسم الله ، فركبوا ، وإنما فى كل مركب نصف شحنته ، قد خرج النصف الآخر الى البرّ مع بسر ، فلقوهم ، فاقتتلوا بالنبل والنشّاب ، وتأخر هرقل لئلا تصيبه الهزيمة ، وجعلت القوارب تختلف إليه بالأخبار ، فقال : ما فعلوا؟ قالوا : قد اقتتلوا بالنبل (٢) والنشّاب. فقال : غلبت الروم ، ثم أتوه ، فقال : ما فعلوا؟ (٣) قالوا : قد نفد النبل والنشاب ، فهم يرتمون بالحجارة. قال : غلبت الروم. ثم أتوه ، فقال : ما فعلوا؟ (٤) قالوا قد نفدت الحجارة ، وربطوا المراكب بعضها ببعض ، يقتتلون بالسيوف. قال : غلبت الروم.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : وكانت السفن إذ ذاك (٤) تقرن بالسلاسل عند القتال. فقال : فقرن مركب عبد الله يومئذ وهو الأمير بمركب من مركب العدوّ ، فكاد مركب العدوّ يجترّ مركب عبد الله إليهم ، فقام علقمة بن يزيد الغطيفى ، وكان مع عبد الله بن سعد فى المركب ، فضرب السلسلة بسيفه فقطعها.
فسأل عبد الله امرأته بعد ذلك بسيسة ابنة حمزة بن ليشرح ، وكانت مع عبد الله يومئذ ، وكان الناس يغزون بنسائهم فى المراكب ، من رأيت أشدّ قتالا؟ قالت : علقمة صاحب السلسلة. وكان عبد الله قد خطب بسيسة إلى أبيها ، فقال له : إنّ علقمة قد خطبها وله علىّ فيها وأى ، وإن يتركها أفعل (٥) ، فكلّم عبد الله علقمة فتركها ، فتزوّجها عبد الله بن سعد ، ثم هلك عنها عبد الله ، فتزوّجها بعده علقمة بن يزيد ، ثم هلك عنها علقمة ، فتزوّجها بعده كريب بن أبرهة ، وماتت تحته فى السنة التى قتل فيها مروان الأكدر بن حمام.
قال غير ابن لهيعة قتل مروان الأكدر بن حمام فى اليوم الذي ماتت فيه بسيسة ، فجاء الخبر إلى كريب بذلك ، فقال : حتى أفرغ من دفن هذه الجنازة ، فلم ينصرف حتى قتل ، فلام الناس يومئذ كريب بن أبرهة. وللأكدر بن حمام وقتله حديث أطول من هذا.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٤٩.
(٢) بالنبل : تحرفت فى طبعة عامر إلى «بالنيل».
(٣ ـ ٣) سقط من طبعة عامر.
(٤) وكانت السفن إذ ذاك تقرن : بدلا منها فى د «وكانت المراكب نقرن».
(٥) ك : «فافعل.