فسار إليهم خمس عشرة ليلة ، فلما انتهى (١) تحصّنوا ، فحاصرهم شهرا ، فلم يستطع لهم شيئا. فمضى أمامه على قصور كوّار فافتتحها ، حتى انتهى إلى أقصاها ، وفيه ملكها ، فأخذه فقطع إصبعه ، فقال : لم فعلت هذا بى؟ قال : أدبا لك ، إذا أنت نظرت إلى إصبعك لم تحارب العرب. وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا.
فسألهم : هل من ورائكم أحد؟ فقال الدليل : ليس عندى بذلك معرفة ولا دلالة ، فانصرف عقبة راجعا ، فمرّ بقصر خاوار ، فلم يعرض له ، ولم ينزل بهم ، وسار ثلاثة أيام ، فأمنوا وفتحوا مدينتهم ، وأقام عقبة بمكان اسمه اليوم ماء فرس ، ولم يكن به ماء ، فأصابهم عطش شديد ، أشفى منه عقبة وأصحابه على الموت ، فصلّى عقبة ركعتين ، ودعا الله.
وجعل فرس عقبة يبحث بيديه فى الأرض حتى كشف عن صفاة ، فانفجر منها الماء ، فجعل الفرس يمصّ ذلك الماء ، فأبصره عقبة ، فنادى فى الناس ، أن احتفروا ؛ فحفروا سبعين حسيا فشربوا ، واستقوا ، فسمّى لذلك ماء فرس.
ثم رجع عقبة إلى خاوار من غير طريقه التى كان أقبل منها ، فلم يشعروا به حتى طرقهم ليلا ، فوجدهم مطمئنّين قد تمهّدوا فى أسرابهم ، فاستباح ما فى المدينة من ذرّيّاتهم (٢) وأموالهم ، وقتل مقاتلتهم.
ثم انصرف راجعا فسار حتى نزل بموضع زويلة اليوم ، ثم ارتحل حتى قدم على عسكره بعد خمسة أشهر ، وقد جمّت خيولهم وظهرهم (٣) ، فسار متوجّها إلى المغرب وجانب الطريق الأعظم ، وأخذ إلى أرض مزاتة ، فافتتح كل قصر بها ، ثم مضى إلى صفر (٤) فافتتح قلاعها وقصورها ، ثم بعث خيلا إلى غدامس ، فافتتحت غدامس ؛ فلما انصرفت إليه خيله سار إلى قفصة فافتتحها وافتتح قصطيلية.
ثم انصرف إلى القيروان ، فلم يعجب بالقيروان الذي كان معاوية بن حديج بناه
__________________
(١) فلما انتهى : ب «فلا انتهى إليه» ، ج ، د «فلما انتهى إليها».
(٢) ب ، ج : «ذراريهم».
(٣) د : «وظهورهم».
(٤) صفر : مكانها بياض فى أ ، ب. وفى د ، ك : «مضى فافتتح». وفى ج : «مضى إلى صف. وذكر تورى أنها يحتمل أن تكون صفر. هذا والتكملة من طبعة عامر ص ٢٦٤.