ابن نافع سريعا بحنقه على أبى المهاجر حتى قدم إفريقية (١) ، فأوثق أبا المهاجر فى وثاق شديد ، وأساء عزله ، وغزا به معه إلى السّوس ، وهو فى حديد.
وأهل السوس بطن من البربر ، يقال لهم أنبية ، فجّول فى بلادهم ، لا يعرض له أحد ولا يقاتله ، فانصرف إلى إفريقية ، فلما دنا من ثغرها أمر أصحابه ، فافترقوا عنه ، وأذن لهم حتى بقى فى قلّة ، فأخذ على مكان يقال له تهوذة ، فعرض له (٢) كسيلة بن لمزم فى جمع كثير من الروم والبربر ، وقد كان بلغه افتراق الناس عن عقبة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل عقبة ومن كان معه ، وقتل أبو المهاجر وهو موثق فى الحديد ، ثم سار كسيلة ومن معه حتى نزلوا الموضع الذي كان عقبة اختطّه ، فأقام به ، وقهر من قرب منه ، باب قابس وما (٣) يليه ، وجعل يبعث أصحابه فى كل وجه.
ويقال : بل خرج عقبة بن نافع إلى السوس ، واستخلف على القيروان عمر بن على القرشى وزهير بن قيس البلوى ، وكانت إفريقية يومئذ تدعى مزاق ، فتقدّم عقبة إلى السوس ، وخالفه رجل من العجم فى ثلاثين ألفا إلى عمر بن على وزهير بن قيس ، وهما فى ستة آلاف ، فهزمه الله.
وخرج ابن الكاهنة البربرىّ على إثر عقبة ، كلّما رحل عقبة من منهل دفنه ابن الكاهنة (٤) ، فلم يزل كذلك حتى انتهى عقبة إلى السوس ، ولا يشعر بما صنع البربرى ، فلما انتهى عقبة إلى البحر (٥) أقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره ، ثم قال : اللهمّ إنى أشهدك (٦) ألا (٧) مجاز ، ولو وجدت مجازا لجزت.
وانصرف راجعا والمياه قد عوّرت ، وتعاونت عليه البربر ، فلم يزل يقاتل (٨) ،
__________________
(١) حتى قدم إفريقية : تحرفت فى طبعة عامر إلى «حتى توفّى فى إفريقية».
(٢) ب ، ج : «لهم».
(٣) أ : «ومن».
(٤) د : «كلما رحل عقبة من منزل ردمه ابن الكاهنة».
(٥) فى د زيادة : «ليس وراءه عمران».
(٦) ب : «أشهد». ج : «أسألك».
(٧) ك : «لا».
(٨) فى نسخة د ، ورد الخبر مختصرا : «وكان عقبة خرج فى فئة قليلة من عسكره إلى السوس ، وخلف عسكره بإفريقية ، وكان رجلا صالحا يغلّب التوكل ، لا يقاتل أحدا إلا بفئة قليلة ، ويطلب من الله النصر ، ويلح