إليه أيضا كتابا آخر ، وجعله فى قربوس حفره ، ووضع الكتاب فيه ، وأطبق عليه حتى استوى وخفى مكانه. فخرجت الكاهنة أيضا ، وهى تقول : يا بنىّ ، هلاككم فى شىء من نبات الأرض ميّت ؛ فكرّرت ذلك.
ومضى حتى قدم على حسان ، فندب أصحابه ثم غزاها ، فلما توجّه إليها خرجت ناشرة شعرها ، فقالت : يا بنّى ، انظروا ما ذا ترون فى السماء؟ قالوا : نرى شيئا من سحاب أحمر ، قال : لا وإلهى ، ولكنها رهج خيل العرب ، ثم قالت لخاد بن يزيد : إنى إنما كنت تبنّيتك لمثل هذا اليوم ، أنا مقتولة (١) ، فأوصيك بأخويك هذين خيرا. فقال خالد : إنى أخاف إن كان ما تقولين حقّا ألّا يستبقيا. قالت : بلى ويكون أحدهما عند العرب أعظم شأنا منه اليوم ، فانطلق فخذ لهما أمانا ، فانطلق خالد فلقى حسّان فأخبره خبرها ، وأخذ لا بنيها أمانا.
وكان مع حسان جماعة من البربر من البتر ، فولّى عليهم حسان الأكبر من ابنى الكاهنة وقرّبه ، ومضى حسان ومن معه ، فلقى الكاهنة فى أصل جبل ، فقتلت وعامّة من معها فسمّيت ببئر (٢) الكاهنة ، ثم انصرف حسان فنزل بموضع قيروان إفريقية اليوم ، وكان مقيل (٣) الكاهنة. قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال : وبنى مسجد جماعتها ودوّن الدواوين ووضع الخراج على عجم إفريقية ، وعلى من أقام معهم على النصرانيّة من البربر وعامّتهم من البرانس إلّا قليلا من البتر. وأقام حسّان بموضعه حتى استقامت له البلاد ، ثم توجّه إلى عبد الملك بغنائمه فى جمادى الآخرة سنة ستّ وسبعين.
قال وحدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : قفل حسّان بن النعمان من إفريقية سنة ثمان وسبعين.
__________________
(١) أنا مقتولة : ب : «وإنى لمقتولة».
(٢) ببئر الكاهنة : فى طبعة تورى وعامر «بئر الكاهنة».
(٣) القائلة : نصف النهار. وتقيّل : نام فيه. وقد قرأ تورى الكلمة «مقتل» فتوهم بناء على ذلك وجود نقص بيض له فى الأصل ، يخص تاريخ المقتل المتوهم ، وكذا فى نشرة عامر. وما أثبتناه كان بالرجوع إلى نسخة الحرم المكى. وقد ساق كل من تورى وعامر هذا النص على النحو التالى «ومضى حسان ومن معه ، فلقى الكاهنة فى أصل جبل ، فقتلت وعامة من معها ، فسميت بئر الكاهنة ، وكان مقتل الكاهنة ... قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : ثم انصرف حسان ، فنزل موضع قيروان إفريقية اليوم ، وبنى مسجد جماعتها ... إلخ».