هو بولة ، وذلك أنه دعا الوزراء ومن كانت الملوك قبله تجرى عليهم (١) الأرزاق والجوائز ، فكأنّه استكثر ذلك ، فقال لهم : إنى أريد أن أسألكم عن أشياء فإن أخبرتمونى بها زدت فى أرزاقكم ورفعت من أقداركم ، وإن أنتم لم تخبرونى بها ضربت أعناقكم ، فقالوا له : سلنا عمّ شئت ، فقال لهم : أخبرونى ما يفعل الله تبارك وتعالى فى كلّ يوم ، وكم عدد نجوم السماء وكم مقدار ما تستحقّ الشمس فى كلّ يوم على ابن آدم ، فاستأجلوه فأجّلهم فى ذلك شهرا ، فكانوا يخرجون فى كلّ يوم إلى خارج مدينة منف فيقفون فى ظلّ قرموس يتباحثون ما هم فيه ثم يرجعون وصاحب القرموس ينظر اليهم ، فأتاهم ذات يوم فسألهم عن أمرهم فأخبروه ، فقال لهم : عندى علم ما تريدون إلّا أن لى قرموسا لا أستطيع أن اعطّله ، فليقعد رجل منكم مكانى يعمل فيه وأعطونى دابّة كدوابّكم وألبسونى ثيابا كثيابكم ففعلوا وكان فى المدينة ابن لبعض ملوكهم قد ساءت حالته فأتاه القرموسىّ فسأله القيام بملك أبيه وطلبه فقال : ليس يخرج هذا يريد الملك من مدينة منف ، فقال : أنا أخرجه لك ، وجمع له مالا ، ثم أقبل القرموسىّ حتى دخل على بولة ، فأخبره أن عنده علم ما سأل عنه ، فقال له : أخبرنى كم عدد نجوم السماء؟ فأخرج القرموسىّ جرابا (٢) من رمل (٣) كان معه فنثره بين يديه ، وقال له : مثل عدد هذا ، قال : وما يدريك؟ قال : مر من يعدّه ، قال : فكم مقدار ما تستحقّ الشمس كلّ يوم على ابن آدم؟ قال : قيراطا ، لأنّ العامل يعمل يومه إلى الليل فيأخذ ذلك فى أجرته ، قال : فما يفعل الله عزوجل كلّ يوم؟ قال له : أريك ذلك غدا ، فخرج معه حتى أوقفه على أحد وزرائه الذي أقعده القرموسىّ مكانه ، فقال له : يفعل الله عزوجل كلّ يوم أن يذلّ قوما ويعزّ قوما ويميت قوما ، ومن ذلك أن هذا وزير من وزرائك قاعد يعمل على قرموس ، وأنا صاحب قرموس على دابّة من دوابّ الملوك ، وعلىّ لباس من لباسهم أو كما قال له ، وأنّ فلان بن فلان قد أغلق عليك مدينة منف ، فرجع مبادرا فإذا مدينة منف قد أغلقت ، ووثبوا مع الغلام على بولة فخلعوه فوسوس فكان يقعد على باب مدينة منف يوسوس ويهذى فذلك قول القبط إذا كلّم أحدهم بما لا يريد قال : شجناك من بولة ، يريد بذلك الملك لوسوسته. والله أعلم.
__________________
(١) ب «عليه».
(٢) ج «جراجا».
(٣) أ ، د «الرمل».