وكتب إلى عظيم من عظماء فارس مع شهربراز يأمره أن يقتل شهربراز ويتولّى أمر الجنود ، فكتب إليه ذلك العظيم يذكر أن شهربراز جاهد (١) ناصح ، وأنه أبلى (٢) بالحرب منه.
قال : فكتب إليه كسرى يعزم عليه ليقتلنّه ، فكتب إليه أيضا يراجعه ويقول : إنه ليس لك عبد مثل شهربراز وأنك لو تعلم ما يدارى من مكايدة (٣) الروم عذرته.
فكتب إليه كسرى يعزم عليه ليقتلنّه وليتولّى أمر الجنود ، فكتب إليه أيضا يراجعه ، فغضب كسرى ، وكتب إلى شهربراز يعزم عليه ليقتلنّ ذلك العظيم فأرسل شهربراز إلى ذلك العظيم من فارس ، فأقرأه كتاب كسرى فقال له : راجع فىّ قال : قد علمت أن كسرى لا يراجع ، وقد علمت حسن صحابتى إيّاك ولكن جاءنى ما لا أستطيع تركه ، فقال له ذلك الرجل : ولا آتى أهلى ، فآمر فيهم بأمرى ، وأعهد إليهم عهدى؟ قال : بلى ، وذلك الذي أملك لك ، فانطلق حتى أتى أهله ، فأخذ صحائف كسرى الثلاث التى كتب إليه (٤) ، فجعلها فى كمّه ، ثم جاء حتى دخل على شهربراز ، فدفع إليه الصحيفة الأوّلة فقرأها شهربراز ، فقال له : أنت خير منّى ثم دفع إليه الصحيفة الثانية فاقترأها فنزل عن مجلسه ، وقال له : اجلس عليه ، فأبى أن يفعل ، فدفع إليه الصحيفة الثالثة ، فقرأها ، فلم يفرغ شهربراز من قراءتها حتى قال : أقسم بالله لأسوءنّ كسرى ، وأجمع المكر بكسرى. وكاتب هرقل ، فذكر له أن كسرى قد أفسد ، وجهّز بعوثا وابتليت بطول ملكه ، وسأله أن يلقاه بمكان نصف يحكمان الأمر فيه ، ويتعاهدان فيه ، ثم يكشف عنه جنود فارس ، ويخلّى بينه وبين المسّير إلى كسرى. فلما جاء هرقل كتاب شهربراز ، دعا رهطا من عظماء الروم فقال لهم : اجلسوا أنا اليوم أحزم الناس ، أو أعجز الناس ، قد أتانى ما لا تحسبونه وسأعرضه (٥) عليكم ، فأشيروا علىّ فيه. ثم قرأ عليهم كتاب شهربراز ، فاختلفوا عليه فى الرأى ، فقال بعضهم : هذا مكر من قبل كسرى. وقال بعضهم : أراد هذا العبد أن يلقاك ، وخاف من كسرى فيستغيث ، ثم (٦) لا يبالى ما لقى.
__________________
(١) ج : «مجاهد».
(٢) ب : «ابتلى».
(٣) أ ، ج ، ك : «مكابدة».
(٤) د : «كتبت».
(٥) ب : «تحتسبونه وسأعرض».
(٦) د : «بمن».