جبالها يسيح (١) ، وكان عمرو يرعى إبله وإبل أصحابه ، وكانت رعية الإبل نوبا بينهم. فبينا عمرو يرعى إبله إذ مرّ به ذلك الشمّاس وقد أصابه عطش شديد فى يوم شديد الحرّ ، فوقف على عمرو فاستسقاه فسقاه عمرو من قربة له ، فشرب حتى روى ونام الشمّاس مكانه. وكانت إلى جنب الشمّاس حيث نام حفرة فخرجت منها حيّة عظيمة ، فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم (٢) فقتلها ، فلما استيقظ الشماس نظر إلى حيّة عظيمة قد أنجاه الله منها. فقال : لعمرو : ما هذه؟ فأخبره عمرو أنه رماها فقتلها. فأقبل إلى عمرو فقبل رأسه وقال : قد أحيانى (٣) الله بك مرّتين ، مرّة من شدّة العطش ، ومرّة من هذه (٤) الحيّة. فما أقدمك هذه البلاد؟ قال : قدمت مع أصحاب لى نطلب الفضل فى تجارتنا. فقال له الشمّاس : وكم تراك ترجو أن تصيب فى تجارتك؟ قال : رجائى أن أصيب ما أشترى به بعيرا ، فإنى لا أملك إلّا بعيرين ، فأملى أن أصيب بعيرا آخر فتكون ثلاثة أبعرة.
فقال له الشمّاس : أرأيت دية أحدكم بينكم كم هى؟ قال : مائة من الإبل. قال له الشمّاس : لسنا أصحاب إبل إنما نحن أصحاب دنانير قال يكون ألف دينار فقال له الشمّاس : إنى رجل غريب فى هذه البلاد وإنما قدمت أصلّى فى كنيسة بيت المقدس وأسيح فى هذه الجبال (٥) شهرا جعلت ذلك نذرا على نفسى وقد قضيت ذلك وأنا أريد الرجوع إلى بلادى فهل لك أن تتبعنى إلى بلادى ولك عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين لأن الله تعالى أحيانى بك مرّتين فقال له عمرو أين بلادك؟ قال : مصر فى مدينة يقال لها الإسكندرية فقال له عمرو لا أعرفها ولم أدخلها قطّ فقال له الشمّاس لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل قطّ مثلها فقال عمرو وتفى لى بما تقول وعليك بذلك العهد والميثاق؟ فقال له الشمّاس نعم لك الله علىّ بالعهد والميثاق أن أفى لك وأن أردّك إلى أصحابك فقال عمرو وكم يكون مكثى فى ذلك؟ قال شهرا تنطلق معى ذاهبا عشرا وتقيم عندنا عشرا وترجع فى عشر ولك علىّ أن أحفظك ذاهبا وأن أبعث معك من يحفظك راجعا فقال له عمرو أنظرنى حتى أشاور أصحابى فى ذلك فانطلق عمرو إلى
__________________
(١) ج : «شيخ».
(٢) د : «سهما».
(٣) ج : «أنجانى».
(٤) ج : «شدة».
(٥) ج : «البلاد».