الجابية (١) قام إليه عمرو فخلا به وقال يا أمير المؤمنين ائذن (٢) لى أن أسير إلى مصر وحرّضه عليها وقال إنك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين وعونا لهم ، وهى أكثر الأرض أموالا وأعجزها عن القتال والحرب ، فتخّوف عمر بن الخطّاب على المسلمين ، وكره ذلك ، فلم يزل عمرو يعظّم أمرها عند عمر بن الخطّاب ويخبره بحالها ويهوّن عليه فتحها حتى ركن (٣) لذلك عمر ، فعقد له على أربعة آلاف رجل كلهم من عكّ. ويقال بل ثلاثة آلاف وخمسمائة.
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عمرو بن العاص دخل مصر بثلاثة آلاف وخمسمائة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب مثله ، إلّا أنه قال : ثلثهم غافق.
قال ثم رجع إلى حديث عثمان (٤) قال : فقال له عمر : سر وأنا مستخير الله فى مسيرك ، وسيأتيك كتابى سريعا إن شاء الله ، فإن أدركك كتابى آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف ، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابى فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره.
فسار عمرو بن العاص من جوف الليل ولم يشعر به أحد من الناس ، واستخار عمر الله فكأنه تخوّف على المسلمين فى وجههم ذلك ، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين ، فأدرك الكتاب عمرا وهو برفح ، فتخوّف عمرو بن العاص إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر ، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه وسار كما هو حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش ، فسأل
__________________
(١) فى هامش أ : «اختلف فى قدوم عمر بن الخطاب الجابية ، فقيل : إنه فتح بيت المقدس فى سنة ست عشرة ، وفيها قدم الجابية ، وقيل بل عام بعد فتح المقدس حتى أتى الجابية فى سنة ثمان عشرة بعد عوده من سرغ فى سنة سبع عشرة ، وقال البخارى : إن عمر قدم الجابية سنة ثمان عشرة ، والتحقيق أن عمر قدم الشام أربع مرات ؛ مرتين فى سنة ست عشرة ، ومرتين فى سنة سبع عشرة ، لم يدخلها فى الأولى».
(٢) ب : «أتأذن».
(٣) ب : «أركن».
(٤) ج : «عثمان وغيره».