بها ـ قليلا كان ذلك أو كثيرا ـ.
٣ ـ وكونهم أقوى جنانا ، لما قدمناه في مطاوي كلماتنا في الفصل الأول.
٤ ـ وأما أنهم أصفى فكرا وقريحة ، فهو حيث يبتعد الإنسان حينئذ عن هموم المدينة ، وعن علاقاتها المعقدة والمرهقة ، حيث لا يواجه في البادية إلا العيش الساذج والبسيط ، والحياة على طبيعتها ، ولا يتأثر فكره وعقله بالمفاهيم والأفكار التي تفرضها تلك الحياة المثقلة بالعلاقات المنحرفة ، ثم هو يجد الفرصة للتأمل والتفكر والتعرف على أسرار الطبيعة والكون ، ولو في حدود عالمه الناشئ المحدود ، ومداركه الناشئة أيضا. وليكون من ثم ذا فكر مبدع خلاق ، وقريحة صافية وغنية ، ولكن بشرط عدم الاستمرار في هذه الحياة طويلا ، فإن الاستمرار في حياة البادية من شأنه أن يجعل الإنسان يعاني من الجمود والانغلاق ، ثم هو يكوّن لنفسه مفاهيم وأفكارا ؛ يحولها الزمن إلى حقائق لا تقبل الجدل عنده ، ويصير من الصعب عليه قبول أي رأي آخر يسير في غير اتجاه قناعاته وأفكاره ، فإن تدرب الإنسان على أن يسمع النقد والمخالفة في الرأي يبعده عن الاستبداد الفكري ، ويجعله يبحث عن الدليل والمبرر لكل فكرة لديه ، وإلا ؛ فإنه يصير على استعداد للتخلي عنها إلى غيرها مما يستطيع أن يدافع عنه ويستدل عليه ، وهذا أمر طبيعي يعرفه الإنسان بالمشاهدة ، ويستدل عليه بالتقصي والتجربة.
غير أننا لا نستطيع تطبيق هذا المنطق على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، الذي كان مرعيا بعين الله ، وموضعا لألطافه وعناياته .. وقد كان غنيا بالله عن ذلك كله ..