وقد حاول الحلبي توجيه ذلك : بأن من الممكن أن يكون أبو لهب قد أعتقها أولا ، لكنه لم يذكر ذلك ، ولم يظهره ، ورفض بيعها لخديجة لكونها كانت معتوقة ، ثم عاد فأظهر ذلك (١).
ولكنه توجيه باطل : إذ من غير المعقول ولا المقبول ؛ أن لا يظهر للناس ، ولا يطلعوا على عتقه لجاريته طيلة ما يزيد على ثلاث وخمسين سنة ، ولماذا لم تخبر هي نفسها أحدا بذلك ، وما هو الداعي له ولها للكتمان ، ولا سيما قبل النبوة ، وما هو الداعي للإظهار بعد ذلك ، ولا سيما بعد الهجرة؟!.
ولماذا بقيت هذه الجارية التي أعتقها عنده طيلة هذه المدة المتمادية ، وهي خارجة عن ملكه؟
هذا كله ؛ عدا عن أنه لا حجية في المنامات ، ولا اعتبار بها.
وعدا عن أن الرواية مرسلة أيضا.
وأما بالنسبة لتخفيف العذاب عن أبي لهب ، فنقول : إن فرحه إذا كان استجابة لحاجة نفسية طبيعية ، ولم يكن لله سبحانه وتعالى ، فلماذا يثاب عليه ، ولماذا يخفف عنه العذاب لأجله ، والافعال الحسنة إنما يلقى الكفار جزاءها في الدنيا لا في الآخرة ، فإنه ليس لهم في الآخرة من خلاق ، ولا لهم فيها نصيب ، وقد قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(٢).
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ٨٥.
(٢) الآية ٢٣ من سورة الفرقان.