والعمل. ومن ثم فهي لا تساعد على الاستقرار ، وتنظيم الحياة.
ومن هنا فقد كان أكثر سكانها ، بل قيل خمسة أسداسهم من البدو الرحل ، الذين يمسون في مكان ، ويصبحون في آخر.
الثانية : إن هذا الوضع قد جعل هذه المنطقة في مأمن من فرض السيطرة عليها من قبل الدولتين العظميين آنئذ : الرومان ، والفرس ، وغيرهما ؛ فلم تتأثر المنطقة بمفاهيمهم وأديانهم كثيرا ، بل لقد هرب اليهود من حكامهم الرومان إلى جزيرة العرب ، واحتموا فيها في يثرب (المدينة) وغيرها.
وقد نشأت عن هذا الوضع للجزيرة العربية ، ظاهرة الدويلات القبلية ، فلكل قبيلة حاكم ، وكل ذي قوة له سلطان.
الثالثة : إن هذه الحياة الصعبة ، وهذا الحكم القبلي ، وعدم وجود روادع دينية ، أو وجدانية قوية ، قد دفع بهذه القبائل إلى ممارسة الإغارة والسلب ضد بعضها البعض ، كوسيلة من وسائل العيش أحيانا ، وأحيانا لفرض السيطرة والسلطان ، وأحيانا أخرى للثأر وإدراك الأوتار ، إلى آخر ما هنالك ، فتغير هذه القبيلة على تلك ؛ فتستولي على أموالها ، وتسبي نساءها وأطفالها ، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ، ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بهذه الغالبة الفرصة لمثل ذلك ، وهكذا.
ومن هنا ، فإن من الطبيعي أن يكون شعور أفراد كل قبيلة بالنسبة لأبناء قبيلتهم قويا جدا ، بدافع من شعورهم بالحاجة إلى بعضهم البعض للدفاع عن الحياة ، والكفاح من أجلها ، مما كان سببا قويا لزيادة حدة التعصب القبلي ، الذي لا يرثي ، ولا يرحم ، ولا يلين ، حيث لا بد من الوقوف إلى جانب ابن القبيلة ، سواء أكان الحق له ، أو عليه ، حتى لقد قال