موافقة للفطرة ، ولأحكام العقل ، إلا أننا لا بد أن نضيف هنا :
أنه يدل أيضا على بقاء شيء من تعاليم الحنيفية فيهم ، خصوصا عند قريش ، وبني عبد مناف ، ولذلك يلاحظ كثرة الإشارات إلى دين إبراهيم ، وما يدل على إيمانهم بالله في كلمات عبد المطلب ، وأبي طالب «عليهما السلام» كثير ، وما الخطبة التي ألقاها أبو طالب حينما طلب يد خديجة للنبي «صلى الله عليه وآله» عنا ببعيدة.
٣ ـ إن ما تقدم يدل على أن أهل مكة كانوا يتعاملون بالمنطق القبلي حتى في تعاونهم على بناء البيت ، وحمل الحجارة له ، وهو أقدس مقدساتهم ، ورمز عزهم ومجدهم وكرامتهم ، بل وعليه تقوم حياتهم ، وإن تحالف لعقة الدم حين الاختصام فيمن يرفع الحجر إلى موضعه ، ليعتبر الذروة في هذا الأمر ، الذي يمجه الذوق ، وتنبو عنه الفطرة ، ويرفضه العقل السليم.
٤ ـ وبعد هذا ، فإن ما يلفت نظرنا : هو فرح قريش حينما رأوا النبي «صلى الله عليه وآله» أول داخل عليهم ، ثم وصفهم له بأنه «الأمين» ، مما يعني أنه «صلى الله عليه وآله» كان يحتل مكانة خاصة في نفوس الناس في مكة ، حيث تسكن قريش سيدة القبائل العربية كلها ، حتى إنهم كانوا يحكّمونه في كثير مما كان يشجر بينهم ، ويضعون كل ثقتهم فيه ، حتى لقبوه ب «الأمين».
بل إننا نجد : في كلمات أبي طالب المتقدمة ، خير شاهد على مكانته «صلى الله عليه وآله» ، وعلو منزلته ، وشرفه ، وسؤدده.
وفي موقف أمية بن خلف في غزوة بدر دلالة على ذلك أيضا (١) فراجع.
__________________
(١) سيأتي ذلك في أوائل غزوة بدر إن شاء الله.