وأما حديث البخاري في بدء الوحي والدال على اقتران نزول القرآن بالنبوة فسيأتي أنه باطل لا يصح.
ثم إنه يمكن تقريب كلام هذا المحقق بأن يقال : إن قوله تعالى : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) إنما هو حكاية عن أمر سابق ، ولا يشمل هذا الكلام الحاكي له إلا بضرب من العناية والتجوز ، ولا الذي يأتي بعده ، وإلا لجاء التعبير بصيغة المضارع ، أو الوصف فإنه يكون حينئذ هو الأوفق (١).
ولعل ابن شهر آشوب كان ينظر إلى هذا حين قال في متشابهات القرآن :
«والصحيح : أن القرآن في هذا الوضع لا يفيد العموم ، وإنما يفيد الجنس ، فأي شيء نزل فيه ؛ فقد طابق الظاهر» (٢).
هذا .. ولكن ما قدمناه يوضح : أن الالتزام بهذا التوجيه ليس ضروريا ، ونعود فنذكر القارئ الكريم بأنه قد ورد ما يؤيد نزول القرآن دفعة واحدة أولا ، ثم صار ينزل تدريجا بعد ذلك ؛ فقد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» قوله : «يا مفضل ، إن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة ، والله يقول : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ).
وقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)(٣).
__________________
(١) قد أشار إلى ذلك في : التمهيد في علوم القرآن ج ١ ص ٨٤.
(٢) التمهيد في علوم القرآن ج ١ ص ٨٥.
(٣) الآيات ٣ ـ ٥ من سورة الدخان.