سلطانها ، ثم تعود تدريجا لتتراجع أمام زحف علم أو علوم أخرى لتحتل هي بدورها أيضا مكان الصدارة في البحث والعمق والتحقيق وهكذا ، ولكن هذا القرآن العظيم يبقى هو المهيمن في العصور كلها على العلوم والعلماء جميعا ، ويدرك الكل أنه فوق مستواهم ، ولا تبلغه عقولهم ، ولا تناله قدراتهم ، ويجدون فيه ما يوجب خضوعهم لعظمته ، ويدركون أنه لا يزال فيه ما يعجزون عن إدراكه ، والإحاطة به ، فضلا عن مجاراته.
كما أنه مع اختلاف الثقافات ، والاتجاهات ، والمستويات على مر العصور ؛ فإن الكل يجدون هذا القرآن مطابقا لمقتضى الحال دائما ومنسجما معه ، وهذا هو الإعجاز حقا!!
وخلاصة الأمر : هذه المئات من السنين تمر ، والأجيال تأتي وتذهب ، والإنسان لا يزال يكتشف المزيد من معارف القرآن ، وأسراره ، ومراميه ، وكلما توصل إلى شيء ، فإنه يجد أن هذا القرآن ليس فقط قد جاء بمعارف ومرام لا تتناسب مع عقلية وثقافة عصر نزوله ـ الأمر الذي يؤكد على أنه من عند الله تعالى ـ وإنما يتجاوز ذلك كله ، ليثبت لكل أحد : أن أغواره لا تزال تحتضن المزيد من المعاني والأسرار ، التي يرى هذا الإنسان نفسه عاجزا عن الوصول إليها والحصول عليها.
وأكثر من ذلك ، فلقد أصبح معروفا : أن الإنسان كلما أعاد قراءة هذا القرآن ؛ فإنه يجده جديدا عليه في معانيه ومراميه ، وذلك بسبب اختلاف حالات وتوجهات الإنسان ، ونوعية الصور الحاضرة آنيا لديه ، والأجواء والحالات النفسية المهيمنة عليه.
وهذه خصوصية ثابتة في القرآن لا تتغير ولا تتبدل على مر الدهور