كثروا ، وضاقت بهم مكة ، ووقعت بينهم الحروب والعداوات ، وأخرج بعضهم بعضا ، فاضطروا إلى التفرق في البلاد ، وما من أحد منهم إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم ؛ فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به ، كطوافهم بالكعبة ، حتى أدى بهم ذلك إلى عبادة تلك الحجارة ، ثم جاء من بعدهم ؛ فنسوا ما كان عليه آباؤهم من دين إسماعيل ، فعبدوا الأوثان (١) وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها ، من تعظيم البيت والطواف به ، والحج والعمرة ، والوقوف على عرفة ومزدلفة ، وإهداء البدن ، والإهلال بالحج والعمرة ، مع إدخالهم فيه ما ليس منه (٢).
ونحن نرجح أن هذا الأخير هو سر عبادتهم للأوثان ، وأما عمرو بن لحي ، فالظاهر أنه أول من وضع الأصنام على الكعبة ، أو حولها ، وتبعه غيره ، وربما يشهد لذلك أن مجيئه بالصنم من الشام لا بد أن يسبقه ـ بحسب العادة ـ نوع قبول للأصنام ، وتعظيم لها.
هذا ، إن لم نقل : إنه يعني : أنه كان يعبد الأصنام قبل أن يذهب إلى الشام.
وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى ما كان للكعبة من مكانة لدى الإنسان العربي ، فضلا عن غيره ، سواء في الوقت الذي كان يعبد فيه الأوثان ويعظمها ، أو في تلك الظروف التي بدأ يشعر فيها بعض الناس بسخافة
__________________
(١) راجع : البداية والنهاية ج ٢ ص ١٨٨ ، والمستطرف ج ٢ ص ٧٥ عن ابن إسحاق ، والأصنام ص ٦ وغير ذلك.
(٢) الأصنام : ص ٦.