ما يختاره له ربه ، وبصلاح ما يأمره به.
الثانية : يستجيب إبراهيم «عليه السلام» لهذا الأمر ، ولكنه لا يندفع إلى تنفيذه بسرعة ، لكي يريح أعصابه ، لأن هذا الأمر قد يخفي وراءه شيئا من الضعف والوهن ، بل هو يخبر ولده بالأمر ، ويطلب منه أن يتخذ هو نفسه أيضا القرار الحاسم في الاستسلام لذلك أو عدمه وذلك يدل على ثقته بحسن اختيار ولده ، رغم صغر سنه ، ويدل على أنه كان يحترم فيه كبر عقله ، وسداد رأيه ، ولا يعتبره طفلا لا يمكن أن توكل إليه أية مسؤولية.
وطبيعي أيضا : أن يكون التفات إسماعيل لذلك ، وأن يتخذ هو نفسه القرار منه بقوله : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(١). مما يزيد في آلام أبيه.
وإسماعيل .. الذي أراد أبوه أن ينيله أجر الطاعة ، ويتذوق حلاوة التسليم ، لم يكن منه إلا التسليم لأمر الله سبحانه ، والانصياع له بثقة ورضا ، ولكنه لا يعتبر هذا التسليم والرضا شجاعة وبطولة منه ، وإنما يعتبره خضوعا لمشيئة الله تعالى ويرى : أن صبره مستمد منه ، ومنته إليه ؛ ولذلك عبر الله تعالى عن حالتهما هذه بقوله : (فَلَمَّا أَسْلَما) ؛ فهما قد أسلما لله تعالى ، وليس لغيره من الشهوات ، ولا للغرائز ، ولم تقيدهما القيود المادية ، ولا الدنيوية في شيء (٢).
ولذلك فإن إبراهيم وولده هما ممن يكون الله أحب إليه من كل شيء مما
__________________
(١) الآية ١٠٢ من سورة الصافات.
(٢) لقد أشار في كتاب : في ظلال القرآن إلى بعض ما ذكرناه أيضا.