وقد رأيت بعد أن كتبت هذا : أن العلامة الطباطبائي يذكر : أن البعض قد تنبه لذلك كالطباطبائي نفسه ، واستدل له ، بقوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) إذ لا معنى لقوله هذا إن لم يكن له ذرية بالفعل ، كما إنه لم يكن يعلم ، ولا يظن : أنه سيكون له ولد قبل تبشير الملائكة له بذلك ، وإبراهيم لا يتفوه بما لا علم له به ، ولا يظنه ، ولا يحتمله ، ولا يخطر له على بال ، وهو بهذه السن المتقدمة ، ولو كان ذلك قبل ولادة إسماعيل لكان اللازم أن يقول : «ومن ذريتي إن رزقتني ذرية» (١).
وقد أورد البعض على الفقرة الأولى بإمكان أن يكون هذا الطلب من إبراهيم قد حصل بعد تبشير الملائكة له بالذرية ، فنزلها في كلامه منزلة الأمر الحاصل والمحقق.
وبعد ، فإن حكم هذا البلاء ، هو أن يضرب بذلك المثل الأعلى للأجيال ، في التضحية في سبيل المبدأ الحق ، ولا يكتفى بمجرد رفع الشعارات ، والإعلان عن المواقف كلاميا فقط ، فبإبراهيم وإسماعيل ينبغي أن يكونا القدوة لكل مؤمن ومؤمنة.
كما إن في إخراج فضائلهما من عالم القوة إلى عالم الفعل ، وإظهارها للناس والتعريف بها تشجيع للفضائل الكامنة في غيرهم ، وتحريك لها لتقوم بمحاولة الظهور على الصعيد العملي ، أي إن في ذلك هزة عاطفية مؤثرة في كل من يملك عاطفة جياشة ؛ تستطيع أن تستثير الفضائل الكامنة في نفس الإنسان ؛ لتكون واقعا حيا وملموسا ، ولتقود عملية التغيير الشاملة في حياة
__________________
(١) راجع : الميزان ج ١ ص ٢٦٧ ـ ٢٦٨.