صلىاللهعليهوسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبى الصبى ، فكنا نقول : يتيم ما عسى أن تصنع أمه وجده!! فكنا نكرهه لذلك.
فما بقيت امرأة قدمت معى إلا أخذت رضيعا غيرى. فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى : والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
قال : لا عليك أن تفعلى ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت : فذهبت إليه فأخذته ، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره.
فلما أخذته رجعت به إلى رحلى ، فلما وضعته فى حجرى أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن ، فشرب حتى روى وشرب معه أخوه حتى روى. ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك. وقام زوجى إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل (١) ، فحلب منها ما شرب وشربت حتى انتهينا ريا وشبعا.
فبتنا بخير ليلة ، يقول صاحبى حين أصبحنا : تعلمى والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة! قلت : والله إنى لأرجو ذلك. ثم خرجنا ، وركبت أتانى وحملته عليها معى ، فو الله لقطعت بالركب ، ما يقدر على شيء من حميرهم ، حتى إن صواحبى ليقلن : يا بنت أبى ذؤيب ويحك! اربعى (٢) علينا! أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟! فأقول لهن : بلى والله إنها لهى. فيقلن : والله إن لها لشأنا.
قالت : ثم قدمنا منازلنا من بنى سعد ، ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبنا ، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها فى ضرع ، حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب. فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمى شباعا لبنا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير ، حتى مضت سنتان وفصلته. وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جعفرا. فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ، لما كنا نرى من بركته.
__________________
(١) حافل : ممتلئة الضرع من اللبن ، والحفل اجتماع اللبن فى الضرع ، والمحفلة التي اجتمع لبنها فى ضرعها أياما.
(٢) اربعى : أى انتظرينا ، وهى من ربع يربع إذا وقف وانتظر. انظر : اللسان (مادة ربع).