فقال له سيف : وأيهم أنت أيها المتكلم؟ فقال : أنت عبد المطلب بن هاشم. قال : ابن أختنا؟ قال : نعم؟ قال : أدنه ، فأدناه. ثم أقبل عليه وعلى القوم ، فقال لهم : مرحبا وأهلا ، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم ، وأنتم أهل الليل والنهار ، فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم.
ثم أنهضوا إلى دار الضيافة والوفود ، فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف. ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب ، فقال له : إنى مفوض إليك من سنى علمى أمرا لو يكون غيرك لم أبح له به ، ولكنى رأيتك معدنه فأطلعتك عليه ، فليكن عندك مكنونا حتى يأذن الله فيه ، فإن الله بالغ أمره.
إنى أجد فى الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اختزناه لأنفسنا واجتبيناه دون غيرنا خيرا عظيما وخطرا جسيما ، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة ، للناس عامة ولرهطك كافة ، ولك خاصة.
فقال له عبد المطلب : مثلك أيها الملك سر وبر ، فما هو؟ فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر .. فقال : إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة.
فقال له عبد المطلب : لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد ، ولو لا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من ساره إياى ما أزداد به سرورا.
فقال له ابن ذى يزن : هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد ، اسمه محمد ، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه ، قد ولدناه مرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ، يضرب بهم الناس عن عرض ، ويستبيح بهم كرائم الأرض ، ويكسر الصلبان ويخمد النيران ويعبد الرحمن ويدحر الشيطان ، قوله فصل وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله.
فقال له عبد المطلب : عز جدك وعلا كعبك ودام ملكك وطال عمرك ، فهل الملك سارى بإفصاح ، فقد أوضح لى بعض الإيضاح.
فقال له ابن ذى يزن : والبيت والحجب ، والعلامات والنصب ، إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب. فخر عبد المطلب ساجدا ، فقال له : ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك ، هل أحسست بشيء مما ذكرت لك؟.