مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ١ ، ٥] ، فقرأتها ثم انتهى فانصرف عنى وهببت من نومى ، «فكأنما كتبت فى قلبى كتابا».
فخرجت حتى إذا كنت فى وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ، فرفعت رأسى إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل فى صورة رجل صاف قدميه فى أفق السماء يقول : يا محمد ، أنت رسول الله ، وأنا جبريل.
فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهى عنه فى آفاق السماء ، فلا أنظر فى ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامى وما أرجع ورائى ، حتى بعثت خديجة رسلها فى طلبى ، فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف فى مكانى ذلك ، ثم انصرف عنى وانصرفت عنه راجعا إلى أهلى حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها. فقالت : يا أبا القاسم أين كنت؟ فو الله لقد بعث رسلى فى طلبك فبلغوا مكة ورجعوا إلى ، ثم حدثتها بالذى رأيت ، فقالت : أبشر يا ابن عمى واثبت ، فو الذي نفس خديجة بيده إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة.
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها ، وكان قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رأى وسمع ، فقال ورقة : قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتنى يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتى موسى ، وإنه لنبى هذه الأمة ، فقولى له فليثبت ، فرجعت خديجة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته بقول ورقة.
فلما قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع ، بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة ، فقال له : يا ابن أخى ، أخبرنى بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له ورقة : والذي نفسى بيده ، إنك لنبى هذه الأمة ، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه فقيل يافوخه ، ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى منزله (١).
ويروى عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أى ابن عم ، أتستطيع أن تخبرنى بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال : «نعم». قالت : فإذا جاءك فأخبرنى به ،
__________________
(١) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ١٤٦ ، ١٤٩) ، فتح البارى لابن حجر (٨ / ٥٨٨ ، ٥٨٩).