فجاءه جبريل كما كان يصنع ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا خديجة ، هذا جبريل قد جاءنى» ، قالت : قم يا ابن عم فاجلس على فخذى اليسرى ، فقام فجلس عليها ، قالت : هل تراه؟ قال : «نعم». قالت : فتحول فاقعد على فخذى اليمنى ، فتحول فقعد على فخذها اليمنى ، فقالت : هل تراه؟ قال : «نعم». قالت : فتحول فاجلس فى حجرى ، فتحول فجلس فى حجرها ، ثم قالت له : هل تراه؟ قال : «نعم» ؛ فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس فى حجرها ، ثم قالت : هل تراه؟ قال : «لا». قالت : يا ابن عم ، اثبت وأبشر ، فو الله إنه لملك ما هذا بشيطان (١).
ويروى أن خديجة أدخلت رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينها وبين درعها ، فذهب عند ذلك جبريل ، وابتدئ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتنزيل فى رمضان.
يقول الله عزوجل : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) [البقرة : ١٨١] ، وقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] إلى خاتمة السورة.
وقال : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) [الدخان : ١ ، ٤] ، وقال : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤٢] ، يعنى ملتقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمشركين ببدر ، وذلك يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.
هكذا أورد ابن إسحاق (٢) رحمهالله هذه الآيات كالمستشهد بها على ابتداء التنزيل فى شهر رمضان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وفى صورة هذا الاستشهاد نظر. فإن ظاهر قوله سبحانه : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) عموم نزول القرآن بجملته فيه. وكذلك قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ).
ولم يقع الأمر فى إنزاله على رسوله صلىاللهعليهوسلم هكذا ، بل أنزله الله عليه فى رمضان وفى غيره متفرقا ، آيات وسورا ، بحسب سؤال السائلين ، أو أحداث المحدثين ، أو ما شاء الله من هداية العالمين.
وقد قيل فى قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) أى
__________________
(١) انظر الحديث فى : الجامع الكبير (٢ / ٧٢١).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٢٠٤).