إنك فارقت ديننا. وخرجوا عليه ، فأرسل إلى جعفر وأصحابه وهيأ سفنا وقال : اركبوا فيها وكونوا كما أنتم ، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت فاثبتوا.
ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه : هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم.
ثم جعله فى قبائه عند المنكب الأيمن ، وخرج إلى الحبشة وصفوا له ، فقال : يا معشر الحبشة ، ألست أحق الناس بكم؟ قالوا : بلى. قال : فكيف رأيتم سيرتى فيكم؟ قالوا : خير سيرة. قال : فما لكم؟ قالوا : فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد. قال : فما تقولون أنتم فى عيسى؟ قالوا : نقول هو ابن الله. قال النجاشى ، ووضع يده على صدره على قبائه : هو يشهد أن عيسى لم يزد على هذا شيئا. وإنما يعنى على ما كتب. فرضوا وانصرفوا ، فبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فلما مات النجاشى صلى عليه واستغفر له (١).
قال ابن إسحاق (٢) : ولما قدم عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبى ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وردهما النجاشى بما يكرهون ، وأسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره ، امتنع به أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا.
فكان عبد الله بن مسعود يقول : ما كنا نقدر على أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه (٣).
وقال ابن مسعود فى رواية البكائى عن غير ابن إسحاق : إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ، ولقد كنا وما نصلى عند الكعبة ، حث أسلم عمر ، وذكر مثل ما تقدم نصا إلى آخره.
__________________
(١) وردت من الأحاديث الكثير فى صلاة النبيّ صلىاللهعليهوسلم على النجاشى ، ومنها ما أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٤ / ٣٦٠ ، ٣٦٣) عن جرير بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أخاكم النجاشى قد مات فاستغفروا له».
(٢) انظر : السيرة (١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢).
(٣) ذكره الهيثمى فى المجمع (٩ / ٦٢) ، ابن سعد فى الطبقات (١ / ٢٧٠). الحاكم فى المستدرك (٣ / ٨٣ ، ٨٤).